في ظل تراجع الدعم العالمي للصحة، تبرز مبادرة رائدة تقدم حلاً مبتكرًا لتعزيز الأمن الصحي في أفريقيا. أعلنت مؤسسة ماك آرثر عن منح 100 مليون دولار لشبكة Sentinel، وهي شبكة خاصة للوقاية من الأوبئة في جميع أنحاء القارة الأفريقية. يأتي هذا الدعم في وقت حرج، حيث تواجه الحكومات ضغوطًا لخفض الإنفاق على الصحة العالمية، مما يهدد الجهود المبذولة لمكافحة الأمراض المعدية. هذه المبادرة، التي تركز على الوقاية من الأوبئة، تمثل نقطة تحول في كيفية التعامل مع التحديات الصحية في أفريقيا.
مشروع Sentinel: خط دفاع أفريقي ضد الأوبئة
فاز مشروع Sentinel بجائزة مؤسسة ماك آرثر المرموقة 100&Change، وهو دليل على أهميته وتأثيره المحتمل. يهدف المشروع إلى إنشاء اختبارات فعالة من حيث التكلفة للكشف عن مسببات الأمراض، وتطوير أنظمة مراقبة متطورة لتتبع تفشي الأمراض في الوقت الفعلي، والأهم من ذلك، تدريب العلماء المحليين ليكونوا في طليعة الاستجابة للأوبئة. لقد نجح Sentinel بالفعل في تدريب أكثر من 3000 عامل في مجال الصحة العامة من 53 دولة أفريقية، مما يعكس التزامه ببناء قدرات محلية قوية.
بناء القدرات المحلية: مفتاح الاستدامة
يؤكد كريستيان هابي، المدير المشارك لشركة سينتينل، أن هذا الاستثمار يثبت أن الحلول للتحديات الصحية العالمية يمكن أن تنبع من أفريقيا نفسها. البرنامج مبني على أسس من الثقة والتعاون، ويهدف إلى تمكين كل دولة من الاستجابة بسرعة وفعالية للتهديدات الصحية. هذا النهج يمثل تحولًا كبيرًا عن الاعتماد التقليدي على المساعدات الخارجية، حيث يركز على بناء أنظمة صحية قادرة على الصمود والابتكار بشكل مستقل. الأمن الصحي لا يعني فقط الاستعداد للأوبئة، بل يتعلق أيضًا بتعزيز القدرة على التكيف والتعلم من التجارب.
مؤسسة ماك آرثر تدعو إلى زيادة الاستثمار في الصحة العالمية
لا تقتصر رؤية مؤسسة ماك آرثر على دعم Sentinel فحسب، بل تمتد لتشمل تشجيع المؤسسات الخيرية الأخرى على زيادة استثماراتها في مجال الصحة العالمية. في السنوات العشر الماضية، منذ إطلاق مبادرة 100&Change، لاحظت المؤسسة زيادة في حجم المنح والاهتمام بالصحة العالمية، لكنها تؤكد أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود.
سد فجوة التمويل: ضرورة ملحة
يشير كريس كاردونا، المدير الإداري للاستكشاف والاكتشاف والبرامج في مؤسسة ماك آرثر، إلى أن هذه المنحة بمثابة “رياح إضافية للأشرعة”، لكن حجم التحدي وفجوة التمويل لا يزالان كبيرين. إن دعم مشاريع مثل Sentinel، التي تبني القدرات المحلية، يمثل استثمارًا استراتيجيًا في مستقبل الصحة العالمية. الاستثمار في الصحة ليس مجرد عمل خيري، بل هو ضرورة اقتصادية واجتماعية.
تراجع الدعم الدولي وتأثيره على الصحة العامة
في المقابل، تواجه برامج الصحة العالمية تحديات متزايدة بسبب تراجع التمويل والتعاون الدولي. فقد واجه تحالف Gavi، الذي يمول برامج التطعيم، عجزًا في الموارد بعد أن خفضت إدارة ترامب دعمها. كما أدى انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية إلى تعطيل جهود مكافحة الأوبئة، مثل تفشي مرض mpox في أفريقيا. هذا التراجع في الدعم الدولي يثير مخاوف بشأن قدرة العالم على الاستعداد للأوبئة والاستجابة لها بشكل فعال.
أهمية الرصد المبكر للأمراض
يقول الدكتور علي خان، عميد كلية المركز الطبي بجامعة نبراسكا، إن عمل Sentinel في أفريقيا سيكون ذا أهمية خاصة في ظل انسحاب الولايات المتحدة والدول الأوروبية من الدعم العالمي. سيساعد ذلك في توفير رؤية أوضح لما يحدث على أرض الواقع، مما يسمح باتخاذ إجراءات استباقية لاحتواء تفشي الأمراض. الرصد المبكر للأمراض هو خط الدفاع الأول ضد الأوبئة، ويتطلب استثمارات مستمرة في البنية التحتية والقدرات البشرية.
التعاون المجتمعي: أساس النجاح
بدأ Sentinel كتعاون بين مختبر الدكتور هابي ومختبر الدكتور برديس سابيتي في معهد برود. وقد أظهرت تجربة سابيتي في التعامل مع حمى لاسا أن السفر إلى القرى المتضررة والتفاعل المباشر مع المجتمعات المحلية يوفر رؤى قيمة لا يمكن الحصول عليها من خلال البحث التقليدي.
تمكين المجتمعات المحلية: حراس الصحة
الآن، يهدف Sentinel إلى تزويد هذه المجتمعات بالتقنيات اللازمة لتحديد التهديدات الصحية الجديدة والسيطرة عليها، وإرسال تحذيرات مبكرة. ترى سابيتي أن الجائزة “تحويلية”، خاصة وأن الصحة العامة “تتدمر” وتواجه “أزمات وجودية”. من خلال تمكين المجتمعات المحلية، يمكن تحويل الأفراد إلى “حراس” ضد تفشي الأمراض، مما يضمن مشاركة الجميع في جهود الوقاية من الأوبئة.
الحاجة إلى مصادر تمويل متنوعة
تؤكد نيدهي بوري، نائبة مساعد مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية السابقة لشؤون الصحة العالمية، أن تخفيضات الميزانيات الحكومية تسلط الضوء على الحاجة إلى تنويع مصادر التمويل للصحة العامة. إن مراقبة الأوبئة تتطلب “مراقبة مستمرة” وليست مجرد مبادرة مؤقتة. هناك مسؤولية جماعية، ومصلحة عالمية، في دعم الاستثمارات المختلفة لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في التخفيف من انتشار الأمراض في جميع أنحاء العالم.
في الختام، يمثل دعم مؤسسة ماك آرثر لشبكة Sentinel خطوة حاسمة نحو تعزيز الوقاية من الأوبئة وبناء قدرات محلية قوية في أفريقيا. هذه المبادرة لا تقدم حلاً فوريًا للتحديات الصحية القائمة فحسب، بل تضع أيضًا الأساس لمستقبل أكثر أمانًا وصحة للجميع. إن تشجيع المزيد من الاستثمارات في الصحة العالمية، وتنويع مصادر التمويل، وتمكين المجتمعات المحلية، هي مفاتيح النجاح في مكافحة الأمراض المعدية وحماية صحة الإنسان.

