تجدد القتال على الحدود التايلاندية الكمبودية في منطقة سورين، ليثير مخاوف إقليمية واسعة النطاق ويؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين. لم تظهر أي علامات على التهدئة يوم الأربعاء، مع استمرار تبادل إطلاق النار وتدهور الأوضاع الإنسانية على جانبي الحدود. هذا التصعيد الأخير يعيد إلى الأذهان نزاعات إقليمية قديمة، ويضع الضغوط على الجهود الدبلوماسية التي كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
تصاعد القتال وتأثيره على المدنيين
بدأ القتال الحالي في أعقاب مناوشات يوم الأحد، والتي أسفرت عن إصابة جنديين تايلانديين وأدت إلى تعقيد وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يوليو بفضل تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ووفقًا لتقارير وكالة أسوشيتد برس، سمع مراسلون إطلاق نار متقطع على الجانب التايلاندي من الحدود.
الوضع الإنساني يزداد سوءًا مع كل ساعة تمر. فقد أعلن المتحدث باسم الجيش التايلاندي، الأدميرال سوراسانت كونجسيري، عن إجلاء حوالي 400 ألف شخص من المناطق الحدودية الأربع المتأثرة بالقتال. في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الكمبودية عن إجلاء أكثر من 127 ألف قروي. هؤلاء النازحون يواجهون ظروفًا معيشية صعبة، حيث غمرت المياه العديد من الملاجئ المؤقتة، مما زاد من معاناتهم.
ردود الفعل الرسمية وجهود الوساطة
أبدى كل من رئيس وزراء تايلاند أنوتين شارنفيراكول والقوي هون سين، رئيس مجلس الشيوخ الكمبودي، تصميمًا على مواصلة القتال. في الوقت نفسه، تعهد الرئيس ترامب بالتدخل مرة أخرى لحث الطرفين على وقف إطلاق النار.
صرح ترامب بأنه يتوقع التحدث هاتفيًا مع الزعيمين يوم الخميس، معربًا عن ثقته في قدرته على إقناعهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات. وأضاف، في حوار مع الصحفيين، أنه يعتقد بأنه قادر على “إطفاء تلك الشعلة الصغيرة” التي اشتعلت مرة أخرى، مشيرًا إلى ادعائه السابق بأنه ساهم في حل ثماني حروب حول العالم.
الخسائر البشرية والأضرار المادية
تجاوز عدد القتلى في القتال الأخير عشرة أشخاص. أفاد الجيش التايلاندي عن مقتل خمسة جنود وإصابة العشرات. بينما أعلنت كمبوديا عن مقتل تسعة مدنيين، من بينهم طفل، وإصابة 46 آخرين.
الأضرار المادية كبيرة أيضًا. فقد أعلن الجيش التايلاندي عن تدمير رافعة على قمة تل يسيطر عليه الجيش الكمبودي، حيث يقع معبد برياه فيهيار التاريخي، زاعمًا أنها كانت تستخدم لأغراض عسكرية. كما تم إخلاء مستشفى في محافظة سورين بعد سقوط صواريخ بالقرب منه.
تداعيات أخرى وتأثير على الرياضة
في تطور آخر يعكس التوتر المتصاعد، أعلنت كمبوديا سحب فريقها من دورة ألعاب جنوب شرق آسيا الـ33 التي بدأت في تايلاند يوم الثلاثاء. وقالت اللجنة الأولمبية الوطنية الكمبودية إنها تأسف لهذا الإجراء، لكنها كانت مضطرة للاستجابة لمخاوف عائلات الرياضيين بشأن سلامتهم.
تاريخ من النزاعات ووقف إطلاق النار الهش
هذا التصعيد ليس جديدًا. فقد شهدت المنطقة تاريخًا طويلًا من النزاعات الحدودية. وكان وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يوليو، بوساطة ماليزية وضغط من الولايات المتحدة، هشًا منذ البداية.
كانت هناك اتهامات متبادلة بانتهاك الهدنة، واستمرت أعمال العنف البسيطة عبر الحدود. كما أن قضية الجنود التايلانديين الذين أسرهم الجيش الكمبودي، وعدم إعادتهم بعد وقف إطلاق النار، أثارت غضب تايلاند. بالإضافة إلى ذلك، اتهمت تايلاند كمبوديا بزرع ألغام أرضية جديدة، مما أدى إلى إصابة جنودها. النزاع الحدودي بين البلدين يمثل تحديًا مستمرًا للأمن الإقليمي.
جهود أمريكية متجددة ومواقف متناقضة
على الرغم من أن رئيس الوزراء التايلاندي أنوتين شارنفيراكول صرح بأن واشنطن لم تتصل بتايلاند بشأن وقف جديد لإطلاق النار، إلا أنه لم يستبعد إجراء مفاوضات مع كمبوديا. إلا أنه أكد أنه لن يستجيب ببساطة لطلب ترامب، وأنه يريد أولاً أن يشرح له موقف تايلاند.
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو دعا في وقت سابق الجانبين إلى الوفاء بالتزاماتهما التي تم الاتفاق عليها في اجتماع أكتوبر في ماليزيا، والذي أكد على وقف إطلاق النار في يوليو ودعا إلى إزالة الأسلحة الثقيلة من الحدود وتنسيق جهود إزالة الألغام. الأزمة الحدودية تتطلب حلولًا مستدامة.
الوضع الحالي والتوقعات المستقبلية
حتى الساعة الثالثة بعد الظهر من يوم الأربعاء، أفادت القيادة الإقليمية الشمالية الشرقية للجيش التايلاندي بأن القوات الكمبودية أطلقت 79 صاروخًا من طراز BM-21، و122 قذيفة مدفعية، و63 هجومًا بطائرات بدون طيار.
في صالة الألعاب الرياضية في سورين، تنتظر حوالي 550 شخصًا انتهاء القتال، مع مخاوف عميقة بشأن ممتلكاتهم وحياتهم. ثيدارات هومهوال، مزارعة تبلغ من العمر 37 عامًا، عبرت عن قلقها بشأن حيواناتها التي تركتها وراءها، لكنها أعربت أيضًا عن أملها في أن ينتهي الصراع قريبًا.
من الواضح أن الوضع في سورين والمنطقة الحدودية بين تايلاند وكمبوديا لا يزال متوترًا للغاية. يتطلب حل هذه الأزمة جهودًا دبلوماسية مكثفة، والتزامًا حقيقيًا من كلا الجانبين بوقف إطلاق النار، ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاع. الوضع الإنساني يتطلب أيضًا استجابة عاجلة لضمان حصول النازحين على المساعدة اللازمة.

