عيد الميلاد، أو عيد الميلاد المجيد كما يُعرف في العديد من البلدان العربية، هو أكثر من مجرد عطلة؛ إنه ظاهرة ثقافية واجتماعية عالمية. بينما يرتبط تقليديًا بالاحتفال بميلاد يسوع المسيح، فإن تاريخه أكثر تعقيدًا وتشويقًا مما قد يظن البعض. فمعرفة تاريخ عيد الميلاد تكشف عن تطورات غريبة ومفارقات مثيرة، من جذوره الدينية إلى طقوسه العلمانية الحديثة. هذا المقال يستكشف أصول هذه العطلة، تطورها عبر القرون، والتقاليد الفريدة التي اكتسبتها في مختلف أنحاء العالم.
أصول عيد الميلاد وتاريخه المبكر
لم يكن الاحتفال بعيد الميلاد تقليدًا راسخًا في أوساط أتباع يسوع الأوائل. بل، كان تركيزهم الأساسي ينصب على الاحتفال بقيامته في عيد الفصح، الذي يعتبرونه الحدث المركزي في الإيمان المسيحي. تُذكر قصة ميلاد يسوع بشكل مفصل في إنجيلي متى ولوقا فقط من بين الأناجيل الأربعة، مع اختلاف بعض التفاصيل بينهما، لكن كلاهما يؤكد على أن الميلاد وقع في مدينة بيت لحم.
لا يعرف بالضبط اليوم أو الشهر أو حتى السنة التي ولد فيها يسوع. تقول الدكتورة كريستين شيبردسون، المتخصصة في دراسة المسيحية المبكرة بجامعة تينيسي: “من الصعب تحديد تاريخ الميلاد بدقة.”
بدأ الاحتفال بعيد الميلاد في 25 ديسمبر كتقليد في القرن الرابع الميلادي. وتكمن أهمية هذا القرن في إعادة تشكيل المسيحية بالشكل الذي نعرفه اليوم. في تلك الفترة، بدأ المسيحيون بالتجمع في الكنائس بدلاً من المنازل، بتوجيه من الإمبراطور قسطنطين.
لماذا 25 ديسمبر؟ تأثير التقاليد الوثنية
هناك العديد من النظريات حول اختيار تاريخ 25 ديسمبر للاحتفال بعيد الميلاد. أحد أبرزها هو تزامن هذا التاريخ مع مهرجانات الانقلاب الشتوي الوثنية التي كانت سائدة في تلك الحقبة، مثل الاحتفال الروماني لإله الشمس “Sol Invictus” أو “الشمس التي لا تُقهر”. من خلال الاحتفال بميلاد يسوع في نفس الوقت من العام، ربما سعى القادة المسيحيون الأوائل إلى استبدال هذه التقاليد الوثنية بعيد مسيحي، وجعل التحول إلى الديانة الجديدة أكثر سلاسة وشمولية.
من الجدير بالذكر أن بعض الكنائس الأرثوذكسية الشرقية لا تزال تحتفل بعيد الميلاد في 7 يناير، وذلك بسبب اعتمادها التقويم اليولياني القديم الذي يسبق التقويم الغريغوري المستخدم حاليًا بـ 13 يومًا.
عيد الميلاد في العصور الوسطى وبداية التقاليد الحديثة
على مر القرون، وخاصة خلال العصور الوسطى، ارتبط عيد الميلاد باحتفالات شعبية صاخبة، تتميز بالولائم والسكر. لم يكن يُنظر إليه دائمًا كعطلة مقدسة، بل كفرصة للاحتفال والتساهل. حتى أن البيوريتانيين لم يكونوا من محبي احتفالات عيد الميلاد خلال هذه الفترة.
لكن في القرن التاسع عشر، بدأ عيد الميلاد في اكتساب مظهر أكثر “احترامًا”، بفضل التركيز على الاحتفال المنزلي والأسري، وتبادل الهدايا. تعود جذور عيد الميلاد الحديث إلى ألمانيا، حيث ظهرت تقاليد شجرة الميلاد وتقديم الهدايا في أواخر القرن التاسع عشر. لاحقًا، انتشرت هذه التقاليد إلى بريطانيا وأمريكا، مما ساهم في إحياء عيد الميلاد كعطلة محبوبة.
لعب الأدب أيضًا دورًا هامًا في تشكيل تقاليد عيد الميلاد الحديثة. نشر تشارلز ديكنز كتابه “ترنيمة عيد الميلاد” عام 1843، وساهمت كتابات واشنطن إيرفينغ في نشر الاحتفال بشجرة عيد الميلاد في أمريكا، حيث كان إيرفينغ من أشد المعجبين بشخصية القديس نيكولاس.
سانتا كلوز والقديس نيكولاس: من العمل الخيري إلى الأسطورة العلمانية
شخصية سانتا كلوز، المحبوبة لدى الأطفال في جميع أنحاء العالم، مستوحاة من القديس نيكولاس، الأسقف المسيحي الذي عاش في القرن الرابع في مدينة ميرا الساحلية (في تركيا الحديثة). اشتهر القديس نيكولاس بأعماله السخية، وخاصة مساعدته للمحتاجين.
تطورت القصص والأساطير حول القديس نيكولاس على مر القرون، وأصبحت مصدر إلهام لأسطورة سانتا كلوز العلمانية. في هولندا، استمرت أسطورة القديس نيكولاس باسم “سينتركلاس”. في القرن السابع عشر، جلب المستوطنون الهولنديون هذه الأسطورة معهم إلى نيويورك، حيث تطورت إلى الصورة التي نعرفها اليوم.
ومع ذلك، لا يزال سانتا كلوز هو من يقدم الهدايا في العديد من الأماكن. بينما في المملكة المتحدة، يعتبر عيد الأب هو المسؤول عن ذلك. وفي اليونان وقبرص، يأتي القديس باسيليوس في ليلة رأس السنة. وفي أيسلندا، ينتظر الأطفال زيارة 13 قزمًا مؤذيين يُعرفون باسم “Yule Lads”.
تقاليد عيد الميلاد المتنوعة حول العالم
لا تقتصر الاحتفالات بعيد الميلاد على تبادل الهدايا وتزيين الأشجار. هناك العديد من التقاليد الفريدة والمميزة التي تميز عيد الميلاد في مختلف أنحاء العالم. ففي اليابان، على سبيل المثال، أصبح تناول دجاج كنتاكي المقلي في عيد الميلاد تقليدًا راسخًا، بفضل حملة تسويقية مبتكرة أطلقتها كنتاكي في عام 1974.
تشمل التقاليد المسيحية الأخرى جلب النباتات الخضراء، مثل الأشجار دائمة الخضرة والهدال، إلى المنازل، التي ترمز إلى الحياة الأبدية وعودة المسيح. كما أن خدمات الكنائس ومشاهد الميلاد تمثل جزءًا هامًا من الاحتفال بعيد الميلاد لدى العديد من المسيحيين.
عيد الميلاد، إذن، هو عطلة عيد الميلاد معقدة وغنية بالتاريخ والتقاليد المتنوعة، تعكس تأثيرات ثقافية ودينية مختلفة. سواء احتفل به كعيد ديني أو كفرصة للتواصل الاجتماعي والاحتفال مع العائلة والأصدقاء، فإنه يبقى مناسبة خاصة ومحبوبة لدى الكثيرين حول العالم.

