هونج كونج تشهد نهاية حقبة مع حل أكبر حزب ديمقراطي
شهدت هونج كونج يوم الأحد تطوراً دراماتيكياً بتصويت أكبر حزب مؤيد للديمقراطية في المدينة لصالح حل ذاته، بعد أكثر من ثلاثة عقود من النشاط السياسي. يأتي هذا القرار في ظل تصاعد الضغوط من بكين وتراجع الحريات السياسية في هونج كونج، مما يمثل نهاية حقبة من الحكم الذاتي الصيني ويثير تساؤلات حول مستقبل الحركة الديمقراطية في المدينة. هذا التغيير الجذري في المشهد السياسي لهونج كونج يعكس الواقع الجديد الذي فرضته قوانين الأمن القومي الصينية.
تصفية الحزب الديمقراطي: قرار تاريخي ونتائج متوقعة
أعلن لو كين هي، رئيس الحزب الديمقراطي، أن حوالي 97% من أعضاء الحزب صوتوا لصالح التصفية، مشيراً إلى أن البيئة السياسية القمعية كانت العامل الرئيسي في هذا القرار الصعب. وأضاف أن هذا هو “أفضل طريق للمضي قدماً” لأعضاء الحزب، مع الاعتراف بـ “الأسف العميق” الذي يصاحب هذا الإجراء.
وقد تم تحذير بعض أعضاء الحزب، وفقاً لتقارير سابقة، من العواقب المحتملة في حال عدم اتخاذ قرار الحل. هذا القرار ليس مجرد استسلام للظروف، بل هو محاولة لحماية الأعضاء من الملاحقات القضائية المتزايدة.
قانون الأمن القومي: الضغط المتزايد على المعارضة
فرضت الصين قانون الأمن القومي في هونج كونج في يونيو 2020، بعد موجة من الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للحكومة في العام السابق. وبررت بكين هذا الإجراء بأنه ضروري لتحقيق الاستقرار في المدينة. ولكن، في الواقع، أدى القانون إلى قمع واسع النطاق للحريات السياسية واعتقال العديد من النشطاء البارزين والمعارضين.
من بين المعتقلين الرئيسان السابقان للحزب الديمقراطي ألبرت هو ووو تشي واي، بالإضافة إلى عدد من المشرعين السابقين. حتى جيمي لاي، مؤسس صحيفة “آبل ديلي” المؤيدة للديمقراطية، يواجه اتهامات بموجب القانون، ومن المقرر أن يتم النطق بحكمه يوم الاثنين.
سلسلة من الإغلاقات: منظمات المجتمع المدني تتلاشى
لم يكن الحزب الديمقراطي الوحيد الذي تضرر من هذه الضغوط. فخلال السنوات الخمس الماضية، أُجبرت العشرات من منظمات المجتمع المدني على إغلاق أبوابها، بما في ذلك حزب مدني، وهو ثاني أكبر حزب مؤيد للديمقراطية. حتى رابطة الديمقراطيين الاشتراكيين، التي كانت تنظم الوقفات الاحتجاجية السنوية لإحياء ذكرى أحداث ميدان تيانانمن عام 1989، أعلنت إغلاقها في يونيو الماضي، معلنةً الضغوط السياسية الهائلة كسبب رئيسي.
هذه الإغلاقات المتتالية تعكس تضييقاً منظماً على مساحة الحريات في هونج كونج، وتحديداً تلك المتعلقة بالتعبير والتجمع.
الحزب الديمقراطي: تاريخ من النضال والتحديات
تأسس الحزب الديمقراطي في عام 1994، وكان يمثل قوة معارضة معتدلة تدعو إلى الاقتراع العام في انتخاب زعيم المدينة. وقد شهد الحزب على مر السنين مشاركة العديد من الشخصيات البارزة، مثل مارتن لي، المعروف بـ “أبو الديمقراطية”، والناشطة والصحفية إميلي لاو.
على الرغم من أن الحزب كان مستعداً للتفاوض مع بكين، إلا أن هذا الموقف تعرض لانتقادات من بعض الأصوات الديمقراطية الأكثر تشدداً. ومع ذلك، استمر الحزب في لعب دور مهم في الحياة السياسية في هونج كونج، حيث فاز بالعديد من المقاعد التشريعية وساعد السكان في حل مشاكلهم المحلية.
مستقبل الديمقراطية في هونج كونج: هل هناك أمل؟
يرى يونج سوم، الرئيس السابق للحزب، أن حل الحزب يمثل تراجعاً كبيراً عن كون هونج كونج مجتمعاً حراً وليبرالياً. ومع ذلك، يؤكد أن الطريق نحو الديمقراطية لم يكن “فشلاً ذريعاً”، وأن المدينة قد قطعت بالفعل نصف المسافة.
ويضيف يونج سوم أنه إذا أمكن في يوم من الأيام مراجعة مبدأ “دولة واحدة ونظامان”، الذي يحكم العلاقة بين هونج كونج والصين، فقد يكون للمدينة مستقبل أفضل. ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن “هونج كونج وصلت إلى نقطة منخفضة، لكنها لم تفقد كل الأمل”.
الحركة الديمقراطية مستمرة بجهود المواطنين
أما لو كين هي فيؤكد أن مستقبل الحركة الديمقراطية في هونج كونج يعتمد على كل مواطن في المدينة، مشيراً إلى أن حق الاقتراع العام مكفول بموجب دستور المدينة المصغر. ويدعو لو كين هي إلى الاستمرار في الكفاح من أجل الديمقراطية، مؤكداً على أهمية هذا الحق في تحديد مستقبل هونج كونج.
ففي نهاية المطاف، على الرغم من تصفية الحزب الديمقراطي، فإن الإرادة الشعبية في المطالبة بالحرية والديمقراطية لا تزال قائمة، وتشكل الأمل الأخير في مستقبل أفضل للمدينة. هذا التطور يمثل تحدياً كبيراً لمستقبل الحريات في هونج كونج، ولكنه في الوقت نفسه يثير التساؤلات حول مدى قدرة بكين على إخماد صوت المعارضة. الوضع الحالي يتطلب مراقبة دقيقة وتحليل متواصل لفهم التداعيات المحتملة على المشهد السياسي في هونج كونج. ولا يمكن إغفال تأثير هذه الأحداث على مستقبل هونج كونج كمركز اقتصادي دولي.

