مأساة هيلزبره: تحقيق يكشف عن إخفاقات 12 ضابط شرطة ولا محاسبة بسبب التقاعد

تُعد مأساة هيلزبره من أسوأ الكوارث الرياضية في تاريخ بريطانيا، وما زالت تثير مشاعر الألم والغضب حتى اليوم. كشف تحقيق مطول، نُشر يوم الثلاثاء، عن أن 12 ضابط شرطة كانوا سيواجهون إجراءات بسبب سوء السلوك الجسيم نتيجة لإخفاقاتهم أثناء وبعد المأساة التي وقعت عام 1989، والتي أودت بحياة 97 مشجعًا لكرة القدم. ومع ذلك، فإن القانون الساري في ذلك الوقت يحول دون محاسبة أي منهم، حيث تقاعدوا جميعًا قبل بدء التحقيق في عام 2012. هذا التقرير يثير من جديد قضية العدالة والمساءلة في أعقاب هذه الكارثة المروعة.

تفاصيل المأساة وإخفاقات الشرطة

في 15 أبريل 1989، شهد ملعب هيلزبره في شيفيلد كارثة مروعة خلال مباراة بين ليفربول ونوتنغهام فورست في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي. سُمح لأكثر من 2000 مشجع لليفربول بالدخول إلى قسم مخصص للوقوف فقط خلف المرمى، مما أدى إلى اكتظاظ شديد. الضحايا سقطوا نتيجة الاصطدام بأسوار معدنية لمكافحة الشغب أو الدوس بالأقدام، مما أدى إلى الاختناق والوفاة.

التحقيق الأولي الذي أُجري عام 1991 خلص إلى أن الوفيات كانت “عرضية”، وهو ما رفضته بشدة عائلات الضحايا. في عام 2012، تم إلغاء هذه النتائج بعد تحقيق واسع النطاق كشف عن مخالفات وأخطاء جسيمة ارتكبتها الشرطة. وفي عام 2016، أكدت هيئة المحلفين أن الضحايا “قُتلوا دون وجه حق”، مما ألقى مسؤولية مباشرة على تصرفات الشرطة.

تحقيق المكتب المستقل لسلوك الشرطة (IOPC)

بدأ المكتب المستقل لسلوك الشرطة تحقيقًا في المأساة عام 2012. التقرير الذي نُشر مؤخرًا، والذي استغرق سنوات في إعداده، حدد 12 ضابطًا كانوا سيواجهون إجراءات تأديبية بسبب إخفاقاتهم. لكن، كما ذكرنا سابقًا، فإن تقاعدهم حال دون ذلك.

وصف العديد من العائلات الثكلى هذه النتائج بأنها “ظلم مرير آخر”. المحامي نيكولا بروك، الذي يمثل العديد من العائلات، صرح بأن النتيجة قد توفر بعض الراحة لمعرفة الحقيقة، إلا أنها لا تحقق العدالة المنشودة. وأشار إلى أن النظام سمح للضباط بالانسحاب دون محاسبة، مما يمثل إخفاقًا كبيرًا في المسؤولية العامة.

قانون هيلزبره: خطوة نحو المساءلة

على الرغم من الإحباط السائد، هناك بصيص من الأمل في التغييرات القانونية الجارية. “قانون هيلزبره”، مشروع قانون (مساءلة) المناصب العامة، الذي يناقش حاليًا في البرلمان البريطاني، يفرض واجبًا قانونيًا يتعلق بالصراحة على المسؤولين العموميين، بمن فيهم ضباط الشرطة. هذا يعني أنه في المستقبل، سيكون من الصعب على المسؤولين تجنب المسؤولية من خلال التقاعد أو التستر على الحقائق.

إلا أن هذا التغيير القانوني لم يأتِ في الوقت المناسب لعائلات هيلزبره. كما صرحت بروك: “نعم، لقد تغير القانون الآن، لذا لا يمكن استخدام هذه الثغرة في المستقبل. ولكن بالنسبة للمتضررين من هذه القضية، فإن هذا ليس عزاءً لهم.”

رواية كاذبة وتضليل متعمد

بعد الكارثة، سعت الشرطة إلى إلقاء اللوم على مشجعي ليفربول، مدعية أنهم كانوا مخمورين، بلا تذاكر، ومسببين للشغب. تم بناء هذه الرواية الكاذبة وتداولها على نطاق واسع، مما أدى إلى معاناة هائلة لعائلات الضحايا والناجين. لم يتم تفكيك هذه الأكاذيب إلا بفضل الحملات المستمرة التي قامت بها عائلات الضحايا.

ومن بين الشخصيات التي كان من الممكن أن تواجه إجراءات تأديبية، بيتر رايت، رئيس شرطة جنوب يوركشاير آنذاك، وديفيد دوكينفيلد، قائد المباراة في ذلك اليوم. ووجد التحقيق أن الضحايا وعائلاتهم والناجين خذلوا مرارًا وتكرارًا. واعتبرت كاثي كاشيل، نائبة المدير العام لـ IOPC، أن الفشل في الاستعداد للمباراة، وعدم السيطرة على الكارثة، والجهود المبذولة لتحويل اللوم إلى مشجعي ليفربول، كلها أفعال تسببت في معاناة هائلة.

نتائج محدودة ومحاسبة جزئية

تم إحالة اثنين من ضباط وست ميدلاندز اللذين قادا التحقيق الأولي في الكارثة إلى المدعين العامين، لكن لم يتم العثور على أدلة كافية لتقديمهم للمحاكمة جنائية. داكنفيلد، الذي “تجمد في الأزمة” حسب تعبير التقرير، تمت تبرئته من تهمة القتل غير العمد في عام 2019.

الشخص الوحيد الذي تمت إدانته نتيجة للتحقيقات اللاحقة هو جراهام ماكريل، سكرتير نادي شيفيلد وينزداي السابق، الذي غُرم بسبب فشله في ضمان سلامة المشجعين.

مأساة هيلزبره : نحو مستقبل أكثر عدلاً

على الرغم من أن هذا التقرير الجديد لا يؤدي إلى محاسبة جنائية أو تأديبية للضباط المعنيين، إلا أنه يسلط الضوء على مجموعة من الإخفاقات المنهجية التي ساهمت في الكارثة. “قانون هيلزبره” يمثل خطوة مهمة نحو ضمان المساءلة في المستقبل، ولكنه لا يقدم عزاءً كافيًا للعائلات الثكلى التي سعت إلى العدالة لعقود.

إن ذكرى هيلزبره يجب أن تكون حافزًا للتغيير، وضمان عدم تكرار مثل هذه المأساة في المستقبل، وأن يتم التعامل مع حقوق الضحايا وعائلاتهم باحترام وتقدير. يجب على الجميع، بمن فيهم المسؤولون الحكوميون وجهات إنفاذ القانون، التعاون الكامل مع أي تحقيقات مستقبلية، وأن يكونوا منفتحين وصادقين في جهودهم لكشف الحقيقة وإحقاق العدالة للضحايا.

ملاحظة: لم تتم إضافة أي روابط خارجية طلبًا للالتزام بالتعليمات.

شاركها.
Exit mobile version