ارتفعت درجات حرارة المحيطات بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما يمثل جزءًا من التغير المناخي الأوسع نطاقًا الذي يهدد كوكبنا. وقد أظهر تحليل حديث صادر عن World Weather Attribution (WWA) أن هذه الزيادة في درجات الحرارة كانت عاملاً رئيسيًا في الأمطار الغزيرة التي اجتاحت مناطق واسعة من آسيا، مما أدى إلى فيضانات وانهيارات أرضية مدمرة وخسائر فادحة في الأرواح. يركز التحليل على تأثير إعصاري سنيار وديتواه على ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا وسريلانكا، ويكشف عن العلاقة المباشرة بين ارتفاع حرارة المحيطات وتفاقم الظواهر الجوية المتطرفة.
العلاقة بين ارتفاع حرارة المحيطات والفيضانات في آسيا
وفقًا للتحليل، فإن ارتفاع درجات حرارة سطح البحر فوق شمال المحيط الهندي ساهم بشكل كبير في زيادة الطاقة المتاحة للأعاصير. فقد سجلت درجات الحرارة ارتفاعًا بمقدار 0.2 درجة مئوية (0.3 درجة فهرنهايت) فوق المتوسط خلال العقود الثلاثة الماضية. هذا الارتفاع، على الرغم من أنه قد يبدو طفيفًا، إلا أنه أدى إلى زيادة كبيرة في كمية الرطوبة التي يمكن أن تحملها الغلاف الجوي، مما أدى بدوره إلى هطول أمطار غزيرة بشكل غير مسبوق.
ولولا ظاهرة الاحتباس الحراري، لكانت درجات حرارة سطح البحر أبرد بنحو درجة مئوية واحدة (1.8 درجة فهرنهايت)، مما كان سيقلل من حدة العواصف والأمطار المصاحبة لها. توضح مريم زكريا، من مركز السياسة البيئية في إمبريال كوليدج لندن، أن “الغلاف الجوي الأكثر دفئًا يمكن أن يحمل المزيد من الرطوبة، مما يؤدي إلى هطول أمطار أكثر غزارة”. هذا يعني أن التغير المناخي لا يخلق العواصف فحسب، بل يفاقم أيضًا تأثيرها، مما يجعلها أكثر تدميراً.
بين الفقدان والبحث عن ممتلكات: شهادات من سريلانكا وإندونيسيا
لقد كانت عواقب هذه الفيضانات والانهيارات الأرضية وخيمة. فقد أودت بحياة أكثر من 1600 شخص ولا يزال مئات آخرون في عداد المفقودين. وتعد هذه الأعاصير الأحدث في سلسلة من الكوارث الجوية التي ضربت جنوب شرق آسيا هذا العام، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح وتدمير الممتلكات.
في بلدة هاتون الجبلية في سريلانكا، يصف شانموجافاديفو أروناتشالام، وهو مدرس يبلغ من العمر 59 عامًا، الوضع بأنه “الأمطار تهطل بغزارة هنا ولكنها لم تكن بهذه الدرجة أبدًا”. ويضيف: “عادة، يتوقف هطول الأمطار في شهر سبتمبر/أيلول تقريبًا، ولكن هذا العام كان سيئًا للغاية. لقد تأثرت كل منطقة في سريلانكا، وكانت منطقتنا هي الأكثر تضررًا”.
صور الناجين وهم يبحثون بين الأنقاض عن ممتلكاتهم في قرية ساراسافيغاما في كاندي، سريلانكا، وقرب مدينة آتشيه في إندونيسيا، تحكي قصصًا مأساوية عن الخسارة واليأس. هؤلاء الأشخاص، الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم، يواجهون الآن تحديًا كبيرًا لإعادة بناء حياتهم.
التحضر السريع وتفاقم المخاطر المناخية
لا يقتصر الأمر على ارتفاع درجات حرارة المحيطات. يشير التحليل إلى أن عوامل أخرى، مثل التحضر السريع والكثافة السكانية العالية والبنية التحتية غير الكافية في المناطق المنخفضة، قد ساهمت أيضًا في تفاقم تأثير الفيضانات.
جميلة محمود، من مركز صنواي للصحة الكوكبية في ماليزيا، تؤكد أن “التغير المناخي هو مضخم قوي للفيضانات والأعاصير والانهيارات الأرضية القاتلة التي اجتاحت آسيا هذا العام”. وتضيف: “لقد سارت المنطقة والعالم على هذا الطريق لأنه على مدى عقود، كانت الأولوية للتنمية الاقتصادية على استقرار المناخ”.
هذا يعني أن هناك حاجة إلى تغيير جذري في طريقة التفكير في التنمية، مع إعطاء الأولوية للاستدامة والمرونة المناخية. يجب على الحكومات والمجتمعات المحلية الاستثمار في البنية التحتية المقاومة للمناخ، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر، وتنفيذ خطط إدارة المخاطر الفعالة.
الاستجابة السريعة والتحليلات المناخية: دور WWA
تعتبر World Weather Attribution (WWA) مجموعة من الباحثين الذين يستخدمون أساليب علمية صارمة لتقييم العلاقة بين الأحداث المناخية المتطرفة والتغير المناخي. تتميز WWA بقدرتها على إجراء دراسات سريعة بعد وقوع الكوارث، مما يوفر معلومات قيمة لصناع القرار والجمهور.
توضح زكريا أن “السرعة التي ننشر بها تحليلاتنا تساعد في إعلام عامة الناس بتأثيرات التغير المناخي”. وتضيف: “نريد أن يعرف الناس في كل مكان سبب حدوث شيء ما في حيهم، ولكن عليك أيضًا أن تكون على دراية بالأسباب الكامنة وراء بعض الأحداث الجارية في جميع أنحاء العالم”.
على الرغم من أن WWA تسعى جاهدة لتقديم تقديرات دقيقة لمساهمة التغير المناخي في الكوارث، إلا أنها اعترفت بوجود قيود في النماذج المناخية المستخدمة لتقييم تأثير العواصف والأمطار الغزيرة في المناطق المتضررة. ومع ذلك، فإن عملها يظل ذا قيمة كبيرة في فهم المخاطر المتزايدة المرتبطة بالتغير المناخي.
الخلاصة: نحو مستقبل أكثر مرونة
إن الفيضانات والانهيارات الأرضية التي ضربت آسيا مؤخرًا هي تذكير صارخ بتأثيرات التغير المناخي المدمرة. فارتفاع درجات حرارة المحيطات، إلى جانب عوامل أخرى مثل التحضر السريع، يزيد من حدة هذه الظواهر الجوية المتطرفة ويجعل المجتمعات أكثر عرضة للخطر.
من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع آثار التغير المناخي. يتطلب ذلك استثمارًا كبيرًا في البنية التحتية المقاومة للمناخ، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر، وتنفيذ خطط إدارة المخاطر الفعالة. كما يتطلب ذلك تغييرًا في طريقة التفكير في التنمية، مع إعطاء الأولوية للاستدامة والمرونة المناخية. فمن خلال العمل معًا، يمكننا بناء مستقبل أكثر أمانًا واستدامة للجميع.
الكلمات المفتاحية: ارتفاع حرارة المحيطات، تغير المناخي، فيضانات آسيا، إعصار سنيار، إعصار ديتواه، كوارث طبيعية.

