في عالم التنس، هناك أسماء تتردد صداها عبر الأجيال، أسماء تجسد الأناقة والإتقان والروح الرياضية. من بين هذه الأسماء اللامعة، يبرز اسم روجر فيدرر كرمز للتنس الحديث، وكأسطورة حقيقية. لم يكن انتخابه لقاعة مشاهير التنس الدولية مفاجئًا لأحد، بل كان تتويجًا لمسيرة استثنائية امتدت لعقود، وأثرت في ملايين المشجعين حول العالم. هذا الإعلان، الذي صدر يوم الأربعاء من رود آيلاند، يمثل اعترافًا رسميًا بإرث فيدرر الخالد في هذه الرياضة.
فيدرر: مسيرة حافلة بالإنجازات نحو الخلود
يعتبر فيدرر أول لاعب تنس يحقق 20 لقبًا فرديًا في البطولات الأربع الكبرى، وهو إنجاز يضعه في مكانة فريدة بين أساطير اللعبة. ولم يقتصر تأثيره على الأرقام القياسية فحسب، بل كان جزءًا لا يتجزأ من “الوقت الذهبي للتنس”، كما وصفه هو نفسه، حيث سيطر هو ورافائيل نادال ونوفاك ديوكوفيتش على الساحة، وقدموا مباريات لا تُنسى، ورفعوا مستوى المنافسة إلى آفاق جديدة.
كان فيدرر المرشح الوحيد الذي حصل على الدعم الكافي في فئة اللاعبين لدخول القاعة لعام 2026، وهو دليل قاطع على الاحترام والتقدير الذي يحظى به من جميع أركان مجتمع التنس. فاللاعبون المؤهلون للدخول يجب أن يكونوا قد اعتزلوا اللعب لمدة خمس سنوات على الأقل، وأن يحصلوا على تأييد 75% من لجنة التصويت التي تضم خبراء ووسائل إعلام ومؤرخين ومشجعين.
إلى جانب فيدرر: تكريم ماري كاريلو
لم يكن فيدرر وحده من تم تكريمه هذا العام. فقد تم أيضًا اختيار ماري كاريلو، المذيعة التلفزيونية والصحفية ولاعبة التنس السابقة، للدخول إلى قاعة المشاهير في فئة المساهمين. كاريلو رائدة في مجال التعليق على مباريات التنس، وكانت أول امرأة تتولى هذا الدور بانتظام، كما أنها قدمت برنامج “Real Sports” على قناة HBO، وحازت على العديد من الجوائز المرموقة، بما في ذلك ستة جوائز إيمي وثلاث جوائز بيبودي.
أرقام قياسية تتحدث عن التفوق
لا يمكن الحديث عن روجر فيدرر دون الإشارة إلى الأرقام القياسية المذهلة التي حققها خلال مسيرته. فقد فاز بثمانية ألقاب في بطولة ويمبلدون، وستة في بطولة أستراليا المفتوحة، وخمسة في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة، ولقب واحد في بطولة فرنسا المفتوحة. هذا الإنجاز يجعله واحدًا من ثمانية لاعبين فقط في تاريخ التنس تمكنوا من الفوز ببطولات الجراند سلام الأربع.
ولم يكن فيدرر مهتمًا بتحطيم الأرقام القياسية من أجل الأرقام نفسها، بل كان يركز على الاستمتاع باللعبة وتقديم أفضل ما لديه. كما صرح لوكالة أسوشيتد برس: “أنا ألعب هذه اللعبة لأنني أحبها.” هذا الشغف والالتزام بالتميز هما اللذان دفعاه إلى تحقيق هذا النجاح الهائل. بالإضافة إلى ألقاب الجراند سلام، فاز فيدرر بـ 103 بطولة أخرى، وحقق 1251 انتصارًا في مباريات الفردي، وهو رقم قياسي لم يتفوق عليه سوى جيمي كونورز في العصر المفتوح.
إرث فيدرر: مصدر إلهام للأجيال القادمة
لم يقتصر تأثير روجر فيدرر على النتائج الرياضية فحسب، بل امتد ليشمل الجوانب الأخرى من اللعبة. فقد قضى 310 أسابيع في صدارة التصنيف العالمي، وهو رقم قياسي آخر يحمل اسمه، وقاد منتخب سويسرا للفوز بكأس ديفيز عام 2014، كما فاز بميدالية ذهبية في منافسات الزوجي في أولمبياد بكين 2008.
يعتبر فيدرر سفيرًا للتنس، وقدوة للرياضيين الشباب. أسلوبه الأنيق في اللعب، واحترامه للمنافسين، وتواضعه الشخصي، جعلته محبوبًا من قبل الجماهير في جميع أنحاء العالم. حتى منافسوه اللدودين، مثل رافائيل نادال ونوفاك ديوكوفيتش، يعترفون بعبقريته وتأثيره الإيجابي على اللعبة.
كارلوس ألكاراز، المصنف الأول عالميًا حاليًا، أشاد بـ روجر فيدرر قائلاً: “الأناقة التي أظهرها في الملعب وخارجه – كيف كان يعامل الناس، الجميع؛ رجل متواضع حقًا – كل ما يفعله يفعله بأناقة.” وأضاف: “لقد أخذ اللعبة إلى مستوى آخر… وهذا أكثر ما يعجبني.”
نظرة إلى المستقبل: قاعة المشاهير والجيل القادم
حفل التكريم الذي سيقام في أغسطس سيكون مناسبة للاحتفاء بمسيرة روجر فيدرر وماري كاريلو، وتأثيرهما على عالم التنس. وفي العام المقبل، ستشمل قائمة المرشحين للدخول إلى القاعة خوان مارتن ديل بوترو وسفيتلانا كوزنتسوفا. كما سيكون كل من سيرينا ويليامز وآش بارتي مؤهلين للدخول للمرة الأولى، بعد اعتزالهما اللعب في عام 2022.
إن دخول فيدرر إلى قاعة المشاهير يمثل نهاية فصل وبداية فصل جديد في تاريخ التنس. فإرثه سيظل حيًا في قلوب وعقول المشجعين واللاعبين على حد سواء، وسيستمر في إلهام الأجيال القادمة لتحقيق أحلامهم. روجر فيدرر ليس مجرد لاعب تنس عظيم، بل هو أسطورة حقيقية، ورمز للتفوق والإبداع والروح الرياضية.

