دمشق، سوريا – شهدت سوريا يوم الجمعة تطوراً هاماً بتوجه عالمي نحو تخفيف القيود المفروضة عليها، حيث رحبت الحكومة السورية وحلفاؤها بالرفع النهائي للعقوبات الأكثر صرامة التي استمرت لعقود. يأتي هذا القرار بعد ضغوط متزايدة، خاصةً بعد التغييرات السياسية الأخيرة في البلاد، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار. يمثل رفع العقوبات عن سوريا نقطة تحول محتملة في مستقبل البلاد، بعد سنوات من الحرب الأهلية والركود الاقتصادي.

خلفية عقوبات قانون قيصر وتأثيرها

في عام 2019، فرض الكونجرس الأمريكي ما يُعرف بـ “قانون قيصر”، والذي استهدف الحكومة السورية والنظام المالي التابع لها، وذلك ردًا على الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية السورية التي اندلعت عام 2011. استمرت هذه الحرب لما يقرب من 14 عامًا، وتسببت في دمار هائل وبؤس إنساني واسع النطاق.

كان الهدف من العقوبات هو الضغط على الرئيس بشار الأسد وإجباره على تغيير سلوكه. ومع ذلك، أدت العقوبات إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، وعرقلت جهود إعادة الإعمار، ومنعت الاستثمارات الأجنبية الضرورية.

دوافع الإلغاء والتغييرات السياسية الأخيرة

بعد الإطاحة بالرئيس الأسد في ديسمبر 2024، برزت دعوات متزايدة لإلغاء العقوبات. المناصرون، بمن فيهم بعض الذين كانوا في السابق من أشد المؤيدين لفرض العقوبات، جادلوا بأن العقوبات تعيق بشكل كبير عملية إعادة بناء الاقتصاد السوري والبنية التحتية المدمرة.

وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق على تعليق العقوبات بموجب أمر تنفيذي، وتم التوقيع على الإلغاء النهائي في وقت متأخر من يوم الخميس بعد موافقة الكونجرس كجزء من مشروع قانون الإنفاق الدفاعي السنوي. هذا القرار يعكس تحولاً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وربما يعكس أيضاً تقييمًا جديدًا للمصالح الإقليمية.

شروط الإلغاء والمراقبة المستقبلية

على الرغم من إلغاء العقوبات، لم يكن القرار بلا شروط. يشترط الكونجرس تقديم تقارير دورية حول التقدم الذي تحرزه سوريا في قضايا حيوية، بما في ذلك حماية حقوق الأقليات الدينية ومكافحة الإرهاب.

وقد أعرب بعض المشرعين الأمريكيين عن قلقهم بشأن معاملة الأقليات الدينية في سوريا، وطالبوا بإعادة فرض العقوبات إذا لم تشهد الحكومة السورية الجديدة، التي يهيمن عليها الإسلاميون السنة، تحسينات ملموسة في هذا المجال. لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي ستعقد جلسة استماع في أوائل عام 2026 لتقييم الوضع.

ردود الفعل الإقليمية والدولية على رفع العقوبات

أعربت وزارة الخارجية السورية عن شكرها للولايات المتحدة على إلغاء العقوبات، مؤكدةً أنه سيساهم في تخفيف الأعباء عن الشعب السوري وفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار. كما دعا رجال الأعمال السوريون والمستثمرين الأجانب إلى استكشاف فرص الاستثمار والمشاركة في إعادة الإعمار، التي يقدرها البنك الدولي بتكلفة 216 مليار دولار.

رحب حلفاء سوريا الإقليميون، مثل تركيا والسعودية وقطر، بهذا القرار. أشاد الرئيس المؤقت أحمد الشرع بالخطوة، موجهاً الشكر لزعماء الدول الثلاث بالإضافة إلى الرئيس ترامب. أعربت وزارة الخارجية التركية عن أملها في أن تساهم هذه الخطوة في تعزيز الاستقرار والأمن والازدهار في سوريا. كما أشادت وزارة الخارجية السعودية بالدور “الإيجابي” الذي لعبه الرئيس ترامب في رفع العقوبات.

التحديات المستقبلية وإعادة دمج سوريا في النظام المالي الدولي

على الرغم من الترحيب برفع العقوبات، لا تزال سوريا تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. صرح محافظ البنك المركزي السوري، عبد القادر حصرية، بأن إلغاء قانون قيصر سيسهل إعادة دمج البلاد في النظام المالي الدولي، ولكنه أشار إلى أن سوريا من المرجح أن تبدأ بتصنيف ائتماني منخفض، وهو أمر طبيعي للدول الخارجة من الصراع.

ومع ذلك، أكد حصرية أن القيمة الحقيقية تكمن في المعيار الذي يحدده التصنيف وخريطة الطريق التي يوفرها للتحسين. الاستثمار في سوريا سيكون حاسماً في عملية التعافي، ولكن يتطلب بيئة مستقرة وآمنة لجذب المستثمرين الأجانب.

عقوبات جديدة من المملكة المتحدة وتأثيرها على الوضع

في تطور متزامن، فرضت المملكة المتحدة عقوبات جديدة على منظمات وأفراد يُزعم تورطهم في أعمال عنف ضد المدنيين في سوريا. تشمل هذه العقوبات أربعة أشخاص ينتمون إلى حكومة الأسد، بالإضافة إلى شخصين وثلاث مجموعات مسلحة تابعة للجيش السوري الجديد.

تأتي هذه العقوبات في أعقاب اشتباكات عنيفة في مارس، حيث هاجمت مجموعة من الموالين للأسد قوات الأمن، مما أدى إلى عمليات قتل انتقامية استهدفت أعضاء الطائفة العلوية. تُظهر هذه الأحداث أن الوضع الأمني في سوريا لا يزال هشًا، وأن هناك حاجة إلى جهود مستمرة لتعزيز الاستقرار وحماية المدنيين. الأمن في سوريا يظل شرطاً أساسياً للنجاح في عملية إعادة الإعمار.

في الختام، يمثل رفع العقوبات عن سوريا خطوة مهمة نحو التعافي الاقتصادي والاستقرار السياسي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه البلاد، بما في ذلك الحاجة إلى معالجة قضايا حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، وتحسين الأمن. ستكون المراقبة الدولية المستمرة والتعاون الإقليمي ضروريين لضمان أن سوريا تسير على الطريق الصحيح نحو مستقبل أفضل.

شاركها.
Exit mobile version