في خضم التوترات المتصاعدة والغموض الذي يحيط بمستقبل الاتفاق النووي الإيراني، شهد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا حاسمًا يوم الثلاثاء، أعادت فيه إيران والولايات المتحدة التأكيد على التزامهما بالدبلوماسية، لكن الفجوة بينهما لا تزال شاسعة. هذا الاجتماع، الذي يأتي في أعقاب حرب إسرائيلية على إيران استمرت 12 يومًا، يمثل نقطة تحول في الجهود المبذولة لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني وتجنب المزيد من التصعيد.

تأكيد الالتزام بالدبلوماسية وسط خلافات عميقة

أكد سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرفاني، على التزام طهران الكامل بالدبلوماسية والمفاوضات الحقيقية، مشددًا على أن الأمر متروك الآن لفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة “لعكس مسارها واتخاذ خطوات ملموسة وذات مصداقية لاستعادة الثقة”. وتأتي هذه التصريحات في وقت تصر فيه الولايات المتحدة على عدم السماح لإيران بتخصيب المواد النووية على أراضيها، وهو ما تعتبره طهران انتهاكًا لحقوقها بموجب الاتفاق النووي.

إلغاء المفاوضات وتصعيد التوترات

كان من المقرر أن تعقد الجولة السادسة من المفاوضات بين واشنطن وطهران بعد فترة وجيزة من الصراع الإسرائيلي الإيراني، حيث انضمت الولايات المتحدة إلى إسرائيل في قصف المواقع النووية الإيرانية. لكن هذه المحادثات أُلغيت، وفي سبتمبر/أيلول، رفض المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أي مفاوضات نووية مباشرة مع الولايات المتحدة. هذا الرفض، بالإضافة إلى تسريع إيران لإنتاجها من اليورانيوم المخصب، زاد من حدة التوترات وأثار مخاوف دولية بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني.

موقف الولايات المتحدة: يد ممدودة مشروطة

في تبادل علني نادر بين دبلوماسيين من البلدين، أعرب مستشار البعثة الأمريكية، مورغان أورتاغوس، عن استعداد الولايات المتحدة لإجراء محادثات رسمية مع إيران، لكن بشرط أن تكون طهران مستعدة لإجراء حوار مباشر وهادف. وقالت أورتاغوس إن إدارة ترامب مدّت “يد الدبلوماسية” لإيران، لكنها اتهمت طهران برفض هذه اليد واختيار “وضع يدها في النار”.

شرط عدم التخصيب: نقطة الخلاف الرئيسية

أكدت أورتاغوس أن إدارة ترامب كانت واضحة في أنها لا يمكن أن تسمح بتخصيب المواد النووية داخل إيران، وهو ما يعتبره الطرف الإيراني شرطًا غير مقبول. ويرى إيرفاني أن هذا الإصرار يتعارض مع حقوق إيران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 ويظهر أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى مفاوضات عادلة. هذه النقطة تمثل جوهر الخلاف بين الطرفين، وتعيق أي تقدم نحو حل دبلوماسي.

ردود الفعل الدولية: انقسام وتصعيد

أثار الأعضاء الغربيون الثلاثة الموقعون على الاتفاقية – بريطانيا وفرنسا وألمانيا – آلية “snapback” لإعادة فرض العقوبات التي تم رفعها بسبب عدم التزام إيران بشروط الاتفاق. في المقابل، انتقد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، هذه الخطوة، واتهم فرنسا بأن جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق بشأن القضية النووية مع إيران قد فشلت فشلاً ذريعًا. هذا الانقسام الدولي يعكس تعقيد الوضع وصعوبة التوصل إلى توافق حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.

مخاوف بشأن تخصيب اليورانيوم

أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن إيران تمتلك أكثر من 440 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%، وهي خطوة فنية قريبة جدًا من مستويات تصنيع الأسلحة بنسبة 90%. هذا التطور يثير مخاوف جدية بشأن نوايا إيران ويؤكد على الحاجة الملحة إلى إيجاد حل دبلوماسي يمنعها من تطوير أسلحة نووية. البرنامج النووي الإيراني يظل محور القلق الدولي.

مستقبل الدبلوماسية: هل من أمل في إحياء الاتفاق؟

على الرغم من الخلافات العميقة والتصعيد المتزايد، لا يزال هناك أمل ضئيل في إحياء الاتفاق النووي الإيراني. لكن هذا يتطلب من جميع الأطراف إظهار المرونة والالتزام بالدبلوماسية، والتخلي عن الشروط المسبقة التي تعيق التقدم. إذا استمرت فرنسا وبريطانيا في الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، كما حذر إيرفاني، فإن الدبلوماسية ستنهار بشكل فعال، مما يزيد من خطر التصعيد وربما يؤدي إلى صراع إقليمي مدمر. من الضروري أن تتذكر جميع الأطراف أن الهدف النهائي هو ضمان بقاء البرنامج النووي الإيراني سلميًا ومنع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.

في الختام، يواجه مستقبل الاتفاق النووي الإيراني تحديات كبيرة. يتطلب الأمر جهودًا دبلوماسية مكثفة وحوارًا بناءً لإعادة الثقة بين إيران والولايات المتحدة وإيجاد حل مستدام يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة. هل ستنجح هذه الجهود أم أننا سنشهد المزيد من التصعيد؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل المنطقة بأكملها.

شاركها.
Exit mobile version