تُواجه قبيلة المابوتشي، أكبر مجموعة من السكان الأصليين في تشيلي، مستقبلًا مجهولًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث يخشون من عودة سياسات قمعية تهدد مكاسبهم المحدودة التي تحققت على مر العقود. فبعد قرون من المقاومة ضد الغزاة، من الإنكا إلى الإسبان، وصولًا إلى الدولة التشيليية الحديثة، يواجه المابوتشي الآن تهديدًا جديدًا يتمثل في صعود اليمين المتطرف.

المابوتشي في مواجهة شبح الماضي: الانتخابات التشيليية القادمة

لطالما كانت قصة المابوتشي قصة صمود ومقاومة. فقد عانوا من فقدان الأراضي، وتدمير ثقافتهم، وقمع هويتهم على يد قوى مختلفة عبر التاريخ. ومع ذلك، لم يستسلموا أبدًا، واستمروا في النضال من أجل حقوقهم وأرضهم. الآن، مع استعداد تشيلي لانتخاب رئيسها القادم يوم الأحد، يخشى المابوتشي من أن هذا النضال قد يدخل مرحلة أكثر عنفًا وقمعًا.

كارين ريفاس كاتالان، عالمة السياسة من شعب المابوتشي، تعبر عن قلقها العميق قائلة: “سيزداد الأمر سوءًا مع حكومة يمينية متطرفة. سجوننا سوف تحتوي على المزيد من المابوتشي.” هذا القلق ليس مجرد شعور بالتشاؤم، بل هو نتيجة تحليل دقيق للخطاب السياسي للمرشحين الرئيسيين، وخاصة خوسيه أنطونيو كاست.

خوسيه أنطونيو كاست وبرنامج “القانون والنظام”: تهديد مباشر للمابوتشي

يُعتبر خوسيه أنطونيو كاست، المشرع السابق المحافظ، المرشح الأوفر حظًا للفوز في الانتخابات. ويتبنى كاست برنامجًا صارمًا للقانون والنظام يتضمن ترحيل مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين ومنح صلاحيات طوارئ واسعة للجيش والشرطة. بالنسبة للمابوتشي، يمثل هذا البرنامج تهديدًا مباشرًا، حيث يرون فيه استمرارًا لسياسات القمع التي مورست ضدهم في الماضي.

وعد كاست بـ “القضاء على الإرهاب” في منطقة أراوكانيا، معقل المابوتشي، باستخدام “كل الأدوات الدستورية والقانونية والإدارية، وكل الاستخبارات والتكنولوجيا، وكل القوة والموارد”. هذا التصريح، الذي أطلقه خلال تجمع انتخابي في تيموكو، أثار مخاوف واسعة النطاق بين أفراد المجتمع المابوتشي. كما انتقد كاست قانون إعادة الأراضي الذي يسمح للمابوتشي باستعادة أراضيهم المسلوبة، واصفًا إياه بأنه وسيلة “لمصادرة الأراضي ومنحها لمن يستولي عليها”.

الانتفاضة الاجتماعية 2019 وبوريتش: بصيص أمل خاب

شهدت تشيلي في عام 2019 انتفاضة اجتماعية واسعة النطاق، طالب فيها المتظاهرون بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي. خلال هذه الانتفاضة، تبنى المتظاهرون علم المابوتشي، مما أعطى دفعة جديدة لقضيتهم.

عندما وصل الرئيس اليساري غابرييل بوريتش إلى السلطة، تعهد بسحب القوات من أراضي المابوتشي واستبدال دستور عهد الدكتاتورية بدستور يحفظ حقوقهم. لكن هذه الوعود لم تتحقق بالكامل. فقد أعاد بوريتش نشر الجيش في المنطقة، واندلعت اشتباكات بين قوات الأمن وجماعات مابوتشي مسلحة. كما رفض الناخبون الدستور المقترح الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى تغيير اجتماعي جذري.

أراوكانيا: بؤرة التوتر والصراع

تعتبر منطقة أراوكانيا، الغنية بالغابات الخضراء، من أكثر القضايا حساسية التي تواجه الرئيس القادم لتشيلي. ولكن، على عكس الانتخابات الرئاسية السابقة، لم تحظ قضية المابوتشي بالاهتمام الكافي في الحملة الانتخابية الحالية، التي ركزت بشكل أساسي على الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.

وعلى الرغم من أن مئات الآلاف من الهكتارات قد أعيدت إلى المابوتشي في العقود الماضية، إلا أن هذا لم يغير بشكل كبير من التهميش والفقر الذي يعيشه هذا المجتمع. كما أن تاريخ المنطقة مليء بالاتهامات الموجهة للشرطة العسكرية التشيليية باستخدام القوة المفرطة ضد المابوتشي، فضلاً عن فضائح تتعلق بتلفيق الأدلة لتوريطهم في أنشطة إرهابية.

الخوف من عودة ديكتاتورية بينوشيه

بالنسبة لأنجيلينا كايوكيو، معلمة لغة المابوتشي، فإن هذه الانتخابات تبدو وجودية. إنها تعيش في “خوف رهيب” من أن حكومة كاست قد تعيد إحياء صدمات ديكتاتورية أوغستو بينوشيه الوحشية. وتقول وهي تقطف الكرز من أرضها: “إننا نخشى بالفعل أن تحدث الأمور كما حدث في عهد بينوشيه، لأن هذا هو ما يعتزمونه”.

إن مستقبل المابوتشي في تشيلي معلق على نتيجة هذه الانتخابات. فهل ستشهد تشيلي عودة إلى سياسات القمع والإقصاء، أم ستستمر في السعي نحو تحقيق العدالة والمساواة لجميع مواطنيها، بمن فيهم شعب المابوتشي؟ هذا السؤال سيحدد مسار تاريخ تشيلي في السنوات القادمة. المابوتشي يراقبون بقلق، ويستعدون لمواجهة التحديات القادمة، ويأملون في أن يتمكنوا من الحفاظ على ثقافتهم وأرضهم وحقوقهم.

الكلمات المفتاحية الثانوية: السكان الأصليون في تشيلي، أراوكانيا، حقوق المابوتشي.

شاركها.
Exit mobile version