تتصاعد التوترات بين ليتوانيا وبيلاروسيا بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، بسبب سلسلة من الحوادث المتعلقة ببالونات الأرصاد الجوية التي أُطلقت من الأراضي البيلاروسية. هذه البالونات، التي يُزعم أنها تستخدم لتهريب السجائر، تسببت في إغلاق متكرر لمطار فيلنيوس الدولي، مما أدى إلى تعطيل حركة الطيران وتقطع سبل آلاف المسافرين. تتهم السلطات الليتوانية بيلاروسيا بتنفيذ “هجوم هجين ساخر” متعمد، خاصةً في ظل حالة التأهب الأوروبي المستمرة بعد اختراقات المجال الجوي التي شهدها حلف شمال الأطلسي، وتزامناً مع استمرار الحرب في أوكرانيا. هذه الأحداث تثير قلقاً بالغاً بشأن الأمن الإقليمي والاستقرار السياسي.
تصاعد أزمة البالونات: تعطيل الطيران وتدهور العلاقات
في أحدث تطور للأزمة، أُجبر مطار فيلنيوس على تعليق العمليات لمدة 11 ساعة كاملة مساء السبت الماضي، وذلك بعد رصد ما لا يقل عن 60 بالونًا قادمة من الغابات البيلاروسية. ووفقًا للسلطات الليتوانية، وصل 40 من هذه البالونات إلى مناطق حساسة لسلامة الطيران، مما يجعل هذا الحادث من بين الأخطر حتى الآن.
وتشير التحقيقات إلى أن البالونات لم تُطلق بشكل عشوائي، بل تم توجيهها بشكل منهجي نحو مدارج الطائرات، وفي أوقات محددة، مما يعزز الشكوك حول وجود نية مسبقة لإحداث تعطيل. وقد وصف توريماس فاليس، نائب وزير الخارجية الليتواني، الحادث بأنه “هجوم هجين ساخر ضد اقتصادنا وأمن الطيران والأمة بأكملها”.
اتهامات متبادلة وتصعيد دبلوماسي
بالرغم من نفي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو تورط بلاده في هذه الحوادث، وتقديمه تعهدًا بالاعتذار في حال ثبوت ذلك، إلا أن مينسك ردت باتهامات مماثلة ضد ليتوانيا. فقد اتهمت بيلاروسيا ليتوانيا بإرسال طائرة بدون طيار إلى مجالها الجوي بهدف التجسس ونقل “مواد متطرفة”.
وقد استدعت وزارة الخارجية البيلاروسية القائم بالأعمال الليتواني، إريكاس فيلكانيكاس، مطالبةً بتفسير للحادث وإجراء تحقيق شامل. وأكدت الوزارة في بيان لها أن بيلاروسيا “تحتفظ بالحق في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية سيادتها وأمنها”. من جهتها، نفت رئيسة الوزراء الليتوانية إنجا روجينيني هذه الاتهامات بشكل قاطع، مؤكدة عدم وجود أي دليل على تورط ليتوانيا.
إجراءات مضادة وحلول مقترحة
في شهر أكتوبر الماضي، اتخذت ليتوانيا قرارًا مغلق حدودها مع بيلاروسيا ردًا على هذه البالونات التي تعيق حركة الطيران بشكل مستمر. وقد ردت مينسك على ذلك بمنع دخول أكثر من 1000 شاحنة بضائع ليتوانية إلى أراضيها.
وبالرغم من الضغط الاقتصادي، أجبرت شركات الخدمات اللوجستية الليتوانية حكومتها على إعادة فتح الحدود بعد ثلاثة أسابيع فقط. ومع ذلك، استمرت السلطات الليتوانية في رصد زيادة في عدد البالونات التي تحلق في مجالها الجوي. وأعلنت رئيسة الوزراء روجينيني أن ليتوانيا قد تلجأ مرة أخرى إلى إغلاق الحدود إذا لزم الأمر، مع التأكيد على ضرورة التنسيق مع حلفائها الاستراتيجيين قبل اتخاذ أي قرار.
حلول تقنية لمواجهة التهديد
لمواجهة هذا التهديد المتصاعد، أعلنت السلطات الليتوانية عن تخصيص مبلغ مليون يورو لتمويل المشاريع التي تهدف إلى تطوير آليات الدفاع ضد هذه الاضطرابات. وتهدف شركة IT Logika، إحدى الشركات المستفيدة من هذا التمويل، إلى تطوير نظام ذكي لأمن المجال الجوي (IOEAS) يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
هذا النظام سيكون قادراً على كشف وتحديد الأهداف في جميع الظروف الجوية، بالإضافة إلى استخدام ليزر عالي الطاقة لإسقاط البالونات بشكل آمن وفعال. وسيتم جمع المعلومات وتحليلها في الوقت الفعلي من خلال شبكة من محطات الطائرات بدون طيار والرادارات وأجهزة الاستشعار الموزعة جغرافيًا.
تعديل مسارات الطيران والعقوبات المحتملة
بالإضافة إلى الحلول التقنية، تدرس السلطات الليتوانية أيضًا إمكانية تغيير مسارات الطيران، ونقل الرحلات الليلية إلى مطارات أخرى مثل كاوناس. ويهدف هذا الإجراء إلى تقليل تأثير البالونات على حركة الطيران في مطار فيلنيوس.
كما يجري النظر في فرض عقوبات قاسية جديدة على أي أنشطة قد تكون مرتبطة بتهريب السجائر عبر هذه البالونات. وأكد إجناس الجيرداس دوبروفولسكاس، مستشار رئيس الوزراء، أنهم يركزون الآن على إيجاد حلول عملية لمساعدة الأفراد والشركات المتضررين من هذه الأزمة.
ختاماً، تشكل أزمة البالونات بين ليتوانيا وبيلاروسيا تطوراً مقلقاً يعكس تدهوراً ملحوظاً في العلاقات بين البلدين. وتتطلب هذه الأزمة استجابة حازمة ومنسقة، تجمع بين التدابير الأمنية وتعزيز التعاون الإقليمي. الاضطرابات الجوية الناجمة عن هذه البالونات ليست مجرد تهديد للاقتصاد الليتواني، بل تمثل أيضًا تحديًا لأمن المنطقة بأكملها. من الضروري البحث عن حلول دبلوماسية وسياسية طويلة الأمد لتهدئة التوترات ومنع المزيد من التصعيد. كما أن الاستثمار في تكنولوجيا الأمن الجوي يعد أمراً بالغ الأهمية لحماية المجال الجوي الليتواني وضمان سلامة المسافرين. ويبقى التوتر السياسي هو المحرك الرئيسي لهذه الأحداث، ويجب معالجته بشكل فعال لتجنب تداعيات أسوأ.

