في تطور يثير جدلاً واسعاً ومخاوف أخلاقية عميقة، منحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عقدًا بقيمة 1.6 مليون دولار لجامعة دنماركية لإجراء دراسة حول تطعيمات التهاب الكبد B للأطفال حديثي الولادة في أفريقيا، وذلك دون اللجوء إلى عملية مناقصة تقليدية. هذا القرار، الذي أثار استياءً واسعاً في الأوساط الطبية والعلمية، يركز على دراسة تأثير حجب اللقاح عن بعض الأطفال، مما يثير تساؤلات حول أخلاقيات البحث العلمي وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.

تفاصيل العقد المثير للجدل

العقد المذكور، الذي علم به مراقبون من خلال وكالة أسوشيتد برس، مُنح لفريق بحثي في جامعة جنوب الدنمارك، بقيادة كريستين ستابل بن، وهي شخصية معروفة بنقدها الشديد للقاحات. الأمر الذي زاد من الشكوك حول دوافع الدراسة وموضوعيتها. وقد أشاد وزير الصحة الأمريكي روبرت إف كينيدي جونيور، المعروف بمواقفه المناهضة للتطعيم، بهذا العقد، مما يعزز الاعتقاد بوجود أجندة خفية وراءه.

الدراسة، التي من المقرر أن تبدأ في أوائل العام المقبل في غينيا بيساو، ستستمر لمدة خمس سنوات وتستهدف 14000 طفل حديث الولادة. تعتمد الدراسة على منهجية “التجربة العشوائية المحكومة”، حيث سيتم إعطاء لقاح التهاب الكبد B لبعض الأطفال عند الولادة، بينما لن يحصل عليه البعض الآخر. سيتم بعد ذلك تتبع الأطفال بحثًا عن الوفاة، والأمراض، والنتائج التنموية طويلة المدى.

مخاوف أخلاقية بشأن حجب اللقاح

أحد أبرز الأسباب التي أثارت غضب الخبراء هو حجب اللقاح عن مجموعة من الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بالتهاب الكبد B. يؤكد خبراء الصحة العامة أن الأدلة الطبية قاطعة بشأن فعالية وسلامة تطعيمات التهاب الكبد B في حماية الرضع من هذا المرض الخطير، الذي يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، بما في ذلك تلف الكبد والوفاة المبكرة.

الدكتور بوجوما ك. تيتانجي، طبيب الأمراض المعدية بجامعة إيموري، وصف الدراسة بأنها “غير معقولة” و”محتملة الضرر”، مشيرًا إلى أن حجب اللقاح عن الأطفال في غينيا بيساو قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الصحي وزيادة معدلات الإصابة بالمرض. كما أشار إلى أن هذه الدراسة تذكرنا بدراسة توسكيجي سيئة السمعة، التي حجب فيها الباحثون العلاج عن الرجال السود المصابين بمرض الزهري لمجرد تتبع تطور المرض.

غياب المراجعة الأخلاقية والتمويل غير التقليدي

الأمر الذي يزيد من خطورة الوضع هو أن العقد لم يخضع لمراجعة أخلاقية معتادة من قبل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). كما أن عملية التمويل كانت غير تقليدية، حيث لم يتم الإعلان عن فرصة لتمويل البحث أو دعوة لتقديم المقترحات. بدلاً من ذلك، طلبت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية من مراكز السيطرة على الأمراض الموافقة على العقد وتوفير تمويل خاص له.

هذا الإجراء أثار غضب العديد من العاملين في مراكز السيطرة على الأمراض، الذين عبروا عن قلقهم بشأن الشفافية والأخلاقيات المرتبطة بالعقد. وقد قارن بعضهم هذا العمل بدراسة توسكيجي، معتبرين أنه يتضمن احتمال مراقبة الباحثين للأشخاص وهم يصابون بالمرض في حين أن التدخل الطبي كان من الممكن أن يبقيهم في صحة جيدة.

تاريخ مثير للجدل للباحثين الدنماركيين

يثير القلق أيضاً تاريخ الباحثين الدنماركيين الذين يقودون الدراسة. فقد أثيرت في الماضي تساؤلات حول الأبحاث التي قادتها كريستين ستابل بن وزوجها بيتر آبي في مشروعهما الصحي في بانديم. وقد وصف بعض العلماء ممارساتهما البحثية بأنها “مشكوك فيها”، وأشاروا إلى وجود عيوب أساسية في دراسة سابقة قاما بتأليفها عام 2017.

على الرغم من هذه الانتقادات، يصر الباحثون على أن دراستهم “ستكون الأولى من نوعها” وأنها ستستفيد من فرصة فريدة، حيث لا توصي غينيا بيساو حاليًا بجرعة ولادة من تطعيمات التهاب الكبد B، ولكن الدولة ستنفذ التطعيم الشامل للأطفال حديثي الولادة في عام 2027.

ردود الفعل والتأكيدات الحكومية

في بيان رسمي، أكدت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية أنها “ستضمن تلبية أعلى المعايير العلمية والأخلاقية” في هذه الدراسة. ومع ذلك، فإن هذه التأكيدات لم تنجح في تهدئة المخاوف المتزايدة بشأن أخلاقيات البحث العلمي وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.

العديد من خبراء الصحة العامة أعربوا عن قلقهم من أن هذه الدراسة قد تؤدي إلى تفاقم التردد في الحصول على اللقاحات في أفريقيا وأماكن أخرى، خاصة في ظل انتشار المعلومات المضللة حول سلامة وفعالية اللقاحات. كما أنهم يخشون من أن هذه الدراسة قد تستخدم كذريعة لتقويض جهود التطعيم في جميع أنحاء العالم.

في الختام، يمثل هذا العقد المثير للجدل صفعة قوية لمبادئ البحث العلمي والأخلاقيات الطبية. من الضروري إجراء تحقيق شامل في هذا الأمر لضمان حماية صحة الأطفال في غينيا بيساو وفي جميع أنحاء العالم، وتجنب تكرار الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في الماضي. يجب أن تكون الأولوية القصوى دائمًا هي صحة ورفاهية الأفراد، وليس الأجندات السياسية أو الأيديولوجية.

شاركها.
Exit mobile version