في تطور دراماتيكي هزّ الأوساط السياسية في البرازيل، أصدرت لجنة من قضاة المحكمة العليا أحكامًا بالسجن على مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى وضابط في الشرطة الفيدرالية، بتهمة التآمر لزعزعة الاستقرار السياسي ومحاولة تنفيذ انقلاب فاشل. تأتي هذه الأحكام بعد فترة قصيرة من إدانة الرئيس البرازيلي السابق، جاير بولسونارو، بتهم مماثلة، مما يعكس تشديدًا ملحوظًا في مواجهة التهديدات للديمقراطية في البلاد.
تفاصيل الإدانة والأحكام الصادرة
أصدرت اللجنة، المكونة من أربعة قضاة، أحكامًا بالسجن تتراوح بين سنة و11 شهرًا وحتى 24 عامًا، وذلك بعد إدانتهم بالتخطيط لأعمال عنف واسعة النطاق استهدفت شخصيات سياسية بارزة. وتشمل قائمة المستهدفين الرئيس الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ونائبه جيرالدو ألكمين، والقاضي في المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس.
تمت إدانة المتهمين بالتخطيط للتدخل في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2022، والتي شهدت عودة لولا دا سيلفا إلى السلطة بعد فترة وجيزة من سجنه بتهم فساد تم إلغاؤها لاحقًا. وتضمنت المؤامرة محاولة الإطاحة بالحكم القانوني الديمقراطي، والمشاركة في منظمة إجرامية مسلحة، وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات العامة والتراث الوطني.
الأحكام وتوزيعها على المتهمين
من بين عشرة متهمين، برأت المحكمة جنرالاً متقاعداً لعدم كفاية الأدلة ضده. بينما أدانت تسعة آخرين، منهم ثمانية ضباط عسكريين رفيعي المستوى وضابط شرطة فيدرالي.
- سبعة مدانين حُكم عليهم بتهم تتعلق بمحاولة الإلغاء العنيف للحكم الديمقراطي، والمشاركة في منظمة إجرامية مسلحة، وتخريب الممتلكات.
- اثنان من المدانين تلقيا أحكامًا أخف بتهم تتعلق بالاشتراك في عصابة إجرامية والتحريض على العداء بين القوات المسلحة والسلطات الدستورية.
وعبّر القاضي فلافيو دينو عن قلقه العميق، مشيرًا إلى أن البرازيل “كادت تقع في هوة الظلام المؤسسي”، مستحضرًا ذكرى الديكتاتورية العسكرية التي استمرت من عام 1964 إلى عام 1985. وأكد أن ما حدث لم يكن مجرد “نزهة في الحديقة”، بل كان محاولة انقلاب حقيقية تهدف إلى اعتقال وقتل المعارضين وإلغاء الدستور والحريات الأساسية.
دور الشرطة الفيدرالية والاختراق الأمني
كشفت التحقيقات عن دور محتمل لعضو في الشرطة الفيدرالية في اختراق الفريق الأمني للرئيس لولا دا سيلفا، بهدف تمكين خطط المجموعة العنيفة. هذا الاكتشاف أثار تساؤلات حول مدى انتشار النفوذ المؤيد للانقلاب داخل المؤسسات الأمنية البرازيلية.
ومع ذلك، أشارت المحكمة إلى أن خطة الانقلاب لم تنجح بسبب نقص الدعم من قائد الجيش. وهذا يشير إلى وجود مقاومة داخل المؤسسة العسكرية لمحاولة الإطاحة بالحكومة المنتخبة демократически.
تداعيات قضية بولسونارو والعلاقات الدولية
تأتي هذه الأحكام كجزء من سلسلة من الإجراءات القانونية ضد الرئيس السابق جاير بولسونارو، الذي أُدين في سبتمبر/أيلول الماضي بتهمة قيادة منظمة إجرامية بهدف إلغاء انتخابات 2022. وحُكم عليه بالسجن لمدة 27 عامًا وثلاثة أشهر.
وقضية بولسونارو لم تقتصر على الشأن الداخلي البرازيلي، بل امتدت لتؤثر على العلاقات الدولية. فقد فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تعريفة جمركية بنسبة 50% على البضائع المستوردة من البرازيل، مستندًا جزئيًا إلى هذه القضية، والتي وصفها بأنها “مطاردة ساحرات”. وقد أدت هذه الخطوة إلى تدهور حاد في العلاقات بين البلدين، يعتبره الخبراء الأسوأ في تاريخهما الذي يمتد لأكثر من 200 عام. لحسن الحظ، تشير التقارير إلى أن العلاقات بدأت في التحسن مؤخرًا، مع مكالمة هاتفية جرت بين ترامب ولولا دا سيلفا واجتماع قمة الآسيان في ماليزيا.
مستقبل القضية والإجراءات القانونية
لا يزال أمام المدانين الحق في استئناف الأحكام الصادرة بحقهم، وقد يؤخر ذلك تنفيذ العقوبات. وبما يتعلق ببولسونارو، فقد تم رفض طلب الإفراج عنه مؤخرًا، ولكنه لا يزال بإمكانه تقديم طلب جديد هذا الأسبوع.
من الواضح أن قضية محاولة الانقلاب في البرازيل ستظل قيد المتابعة الدقيقة من قبل الرأي العام والمراقبين الدوليين، حيث أنها تمثل اختبارًا حقيقيًا لصلابة الديمقراطية البرازيلية وقدرتها على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. من المهم أيضاً ملاحظة دور الأمن القومي في منع هذه المحاولات المستمرة.
الخلاصة
تمثل الأحكام التي صدرت بحق المسؤولين العسكريين وضابط الشرطة الفيدرالية خطوة حاسمة في محاسبة المسؤولين عن محاولة زعزعة الاستقرار الديمقراطي في البرازيل. وتؤكد هذه الأحكام على التزام الدولة بحماية مؤسساتها الدستورية وضمان سيادة القانون. ومع استمرار الإجراءات القانونية ضد الرئيس السابق بولسونارو، فإن البرازيل تواجه تحديًا كبيرًا في تعزيز الديمقراطية والثقة في المؤسسات الحكومية. يجب على المواطنين والمجتمع المدني أن يلعبوا دورًا فعالًا في دعم هذه الجهود والمشاركة في الحوار الوطني حول مستقبل الديمقراطية في البلاد.


