في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، وتحديدًا في فترة عيد الميلاد، تزامنت زيارة تاريخية للأعلى زعيم كاثوليكي في الأراضي المقدسة، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، مع بصيص أمل يلوح في الأفق بوقف إطلاق النار الهش. هذه الزيارة ليست مجرد احتفال ديني، بل هي رسالة دعم وتضامن مع السكان المحليين، خاصةً وأن الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في القطاع تمثل منارة للأمل في هذه الأوقات العصيبة. الزيارة تأتي في وقت يفتقر فيه قطاع غزة إلى الكثير، ولكن الإيمان والأمل لا يزالان قويين.
زيارة الكاردينال بيتسابالا: رسالة أمل في عيد الميلاد بغزة
وصل الكاردينال بيتسابالا إلى الكنيسة الكاثوليكية في قطاع غزة في يوم الجمعة، حيث استقبله مشهد مؤثر لأطفال يرتدون قبعات سانتا كوفية، بالإضافة إلى الكوفية الفلسطينية التقليدية، رمزًا للوحدة الوطنية. تم تزيين ساحة الكنيسة بأضواء عيد الميلاد الزاهية، في محاولة لتخفيف وطأة الأوضاع الحالية وخلق جو من الفرح.
تحدث الكاردينال إلى الحاضرين باللغة الإنجليزية، معبرًا عن إدراكه للظروف الصعبة التي يمر بها القطاع. ومع ذلك، أشار إلى أن رؤية الأطفال والمدرسة والأنشطة المنظمة تمنحه شعوراً بالأمل. وأضاف: “أنتم شهادة رائعة، ليس فقط على الصمود، ولكن أيضًا على الإيمان والأمل لكثير من الناس، ليس فقط في غزة، ولكن في أجزاء أخرى كثيرة من العالم.” هذه الكلمات تحمل في طياتها تقديرًا عميقًا لصمود الشعب الفلسطيني وإيمانه الراسخ.
الكنيسة كملاذ وآمال إعادة الإعمار
أكد الكاردينال بيتسابالا أن المجتمع المسيحي يهدف إلى أن يكون “نقطة مرجعية ثابتة ومتينة في بحر الدمار هذا”. هذا التصريح يعكس التزام الكنيسة بتقديم الدعم والمساعدة للسكان المحليين، والتأكيد على استمرار وجودها ورسالتها في قطاع غزة.
عملية إعادة الإعمار في القطاع بدأت ببطء شديد، لكنها ضرورية لاستعادة الحياة إلى طبيعتها. مجمع العائلة المقدسة تعرض لأضرار كبيرة من شظايا قذيفة إسرائيلية في شهر يوليو الماضي، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. إسرائيل اعتذرت عن الحادث ووصفته بأنه عرضي، لكن الألم والخسارة لا تزال حاضرة. في هذا السياق، تبقى الكنيسة مكانًا للذكرى والحداد، ولكن أيضًا نقطة انطلاق للأمل والتطلع إلى مستقبل أفضل.
التأكيد على الشفاء والمستقبل
في كلمته المؤثرة، شدد البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، على أهمية تجاوز الماضي والتطلع إلى الأمام. صرح قائلاً: “لا يمكننا أن ننسى ما حدث. ولن ننسى أبدًا. ولكن علينا الآن أن نتطلع إلى الأمام. نحن بحاجة إلى العلاج، لشفاء قلوبنا.” هذه الدعوة إلى الشفاء النفسي والروحي ضرورية لسكان قطاع غزة الذين عانوا من ويلات الحرب والدمار.
بالإضافة إلى ذلك، التزم الكاردينال بيتسابالا بإقامة قداس الأحد في الرعية، وهو تقليد حافظ عليه أيضًا خلال فترة الحرب في موسم عيد الميلاد الماضي. هذا الالتزام يظهر مدى اهتمامه بالبقاء على اتصال وثيق مع المجتمع المحلي وتقديم الدعم الروحي لهم في أوقات الحاجة.
الاستعدادات لعيد الميلاد واستمرار الأنشطة الدينية
على الرغم من التحديات الهائلة، بما في ذلك النزوح الداخلي وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربائي، إلا أن أنشطة عيد الميلاد في الكنيسة الكاثوليكية في قطاع غزة مستمرة على قدم وساق. القس غابرييل رومانيلي، تحدث في رسائله اليومية على يوتيوب، أعرب عن أسفه للطقس البارد، لكنه أشار إلى أن 160 طفلاً من المدرسة يتدربون على ترانيم عيد الميلاد ويستعدون لتقديم عرض لمشهد الميلاد التقليدي، بأزياء الملائكة والرعاة.
هذا النشاط المكثف يعكس تصميم المجتمع المسيحي في قطاع غزة على الاحتفال بعيد الميلاد على الرغم من كل الصعاب، وعلى نقل رسالة أمل وفرح إلى الآخرين. إن التمسك بالتقاليد الدينية والثقافية هو وسيلة للحفاظ على الهوية وتعزيز الشعور بالانتماء في ظل الظروف الصعبة. الوضع الإنساني في غزة يتطلب تدخلًا عاجلًا ودعمًا مستمرًا.
تضامن دولي ورؤية نحو مستقبل أفضل
زيارة الكاردينال بيتسابالا هي جزء من جهود أوسع نطاقًا لتوفير الدعم الروحي والإنساني لسكان قطاع غزة. تتلقى التغطية الدينية لوكالة أسوشييتد برس الدعم من خلال وكالة أسوشييتد برس تعاون مع The Conversation US، بتمويل من شركة Lilly Endowment Inc.، مما يعكس الاعتراف بأهمية دور الدين في تعزيز السلام والتضامن.
يبقى الأمل معلقًا في أن يساهم وقف إطلاق النار الحالي في تحقيق استقرار دائم في قطاع غزة، وأن يتمكن السكان المحليون من إعادة بناء حياتهم ومستقبلهم. إن الزيارة التاريخية للكاردينال بيتسابالا هي بمثابة تذكير بأن المجتمع الدولي يقف إلى جانبهم، وأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة التحديات. هذه الزيارة تجسد أيضًا أهمية الحوار بين الأديان وتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل من أجل بناء عالم أفضل للجميع.

