في تطور لافت للأحداث السياسية في باكستان، تصاعدت حدة التوتر بين الجيش الباكستاني ورئيس الوزراء السابق، عمران خان. فقد رد الجيش بقوة على اتهامات خان الأخيرة لقائده العام، الجنرال عاصم منير، بوصفه بأنه “غير مستقر عقليًا”، حيث اتهمه بدوره بـ”مرض عقلي” و بالتحريض على الفتنة والانقسام. هذه الأحداث المتسارعة تثير تساؤلات حول مستقبل السياسة الباكستانية واستقرارها.

تصعيد اللهجة بين الجيش وعمران خان

جاء رد الجيش خلال مؤتمر صحفي متلفز، حيث وصف المتحدث باسم الجيش، اللفتنانت جنرال أحمد شريف شودري، عمران خان بأنه “نرجسي” وأن طموحاته السياسية قد تدهورت إلى حد الاعتقاد بأنه “إن لم أكن في السلطة، فلن يكون هناك أي شيء آخر”. واتهمه بشكل مباشر باستخدام زياراته العائلية في السجن ومنشوراته على منصة X (تويتر سابقًا) لتشويه صورة الجيش وبث خطاب الكراهية.

وأضاف المتحدث أن الأشخاص الذين يلتقون بعمران خان في السجن يتم استغلالهم في نشر “السموم” ضد المؤسسة العسكرية. هذا البيان جاء بعد زيارة لشقيقة خان، أعربت فيها عن غضب شقيقها تجاه الجنرال منير، وقبلها مباشرة بعد منشور خان المثير للجدل على X والذي هاجم فيه قائد الجيش.

اتهامات بالتحريض وتقويض الأمن القومي

لم يتردد المتحدث باسم الجيش في ربط عمران خان بأحداث 9 مايو 2023، والتي شهدت هجمات على منشآت عسكرية، بما في ذلك مقر الجيش في روالبندي. وتساءل: “ألم يكن هذا الشخص هو نفسه الذي دبر تلك الهجمات؟”. هذا الربط يشير إلى اتهامات جدية بالتحريض المباشر على العنف وتقويض الأمن القومي.

وواصل شودري حديثه قائلاً إن الدستور الباكستاني يضمن حرية التعبير، لكنه يضع حدودًا لها، ولا يسمح لأي شخص بتقويض الأمن القومي. وأشار إلى أن ادعاءات خان ضد الجنرال منير لا أساس لها من الصحة، وأن وسائل الإعلام الأفغانية والهندية تضخم هذه الادعاءات بهدف زعزعة الاستقرار. الجيش الباكستاني يرى في هذه التطورات محاولة متعمدة لإثارة العداء ضد المؤسسة العسكرية.

رد فعل حزب خان والاتهامات المتبادلة

من جانبه، وصف المتحدث باسم حزب إنصاف، ذو الفقار بخاري، المؤتمر الصحفي للجيش بأنه “مدفوع بالغضب وليس العقل”، واصفًا إياه بأنه يحمل “تهديدات صارخة” ضد خان وحزبه. كما اتهم الجيش بمحاولة تمهيد الطريق لحملة قمع أشد على الحزب وتصعيد الضغوط النفسية والظروف القاسية التي يواجهها خان في السجن.

وأضاف بخاري أن الجيش منع أي زيارات أخرى لعمران خان في المستقبل. تأتي هذه التصريحات في ظل استمرار اعتقال خان منذ عام 2023 على خلفية إدانته بتهم الفساد، بالإضافة إلى سلسلة من التهم الأخرى الموجهة إليه. الاعتقالات السياسية والاتهامات المتبادلة أصبحت سمة واضحة في المشهد السياسي الباكستاني.

التنسيق بين فروع الجيش وتأثير ذلك على المشهد السياسي

هذا التصعيد الداخلي يأتي في أعقاب قرار رئيس باكستان، آصف علي زرداري، بالموافقة على تعزيز دور الجنرال عاصم منير كقائد لقوات الدفاع، وهو منصب جديد يهدف إلى تحسين التنسيق بين الجيش والبحرية والقوات الجوية. ويعتبر منير شخصية مؤثرة، خاصة بعد ادعاء باكستان بهزيمة الهند في صراع استمر لأربعة أيام.

يمثل هذا القرار، بالإضافة إلى التطورات الأخيرة مع عمران خان، محاولة من قبل المؤسسة العسكرية لتعزيز سيطرتها وتوحيد صفوفها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ويثير هذا الأمر جدلاً حول مدى تدخل الجيش في الشؤون السياسية وتأثيره على مستقبل الديمقراطية في باكستان.

مستقبل السياسة الباكستانية

إن تصريحات الجيش القاسية ضد عمران خان، وردود أفعال حزبه، تلقي بظلال من الشك حول إمكانية المصالحة في المستقبل القريب. فمن جهة، يصر الجيش على أن خان يحاول تقويض الأمن القومي وإثارة الفتنة. ومن جهة أخرى، يواصل حزب إنصاف الادعاء بأن الانتخابات البرلمانية لعام 2024 قد تم التلاعب بها، وأن خان يتعرض للاضطهاد السياسي.

من المرجح أن يستمر هذا التوتر إلى فترة طويلة، وقد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب السياسي والعنف. ويتوقف مستقبل السياسة الباكستانية إلى حد كبير على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول سياسية تحترم الدستور وتحفظ الحقوق والحريات.

هل سيستمر هذا الصراع؟ وما هو تأثيره على الاستقرار الإقليمي؟ هذه الأسئلة ستظل عالقة في الأذهان في الفترة القادمة.

شاركها.
Exit mobile version