انتقادات بابوية لاكتظاظ السجون وتأهيل النزلاء

في ختام فعاليات السنة اليوبيلية 2025، وجه البابا ليو الرابع عشر، الأحد في روما، انتقادات حادة للفاتيكان بشأن اكتظاظ السجون وعدم كفاية برامج إعادة تأهيل السجناء. جاءت هذه التصريحات خلال قداس خاص أقيم للمحتجزين، وحراس السجون، وعائلاتهم، بحضور ممثلين عن مرافق الاحتجاز من 90 دولة، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 6000 شخص تقدموا للمشاركة في هذا الحدث الروحي الهام. هذه القضية، السجون ووضع النزلاء، كانت محور تركيز البابا فرنسيس طوال فترة بابويته، وتسعى الكنيسة الكاثوليكية من خلالها إلى إحياء روح الأمل والتسامح في مجتمعات حول العالم.

رسالة أمل من قلب الفاتيكان

القداس، الذي يعتبر الحدث الأخير والبارز في إطار السنة اليوبيلية التي أطلقها البابا فرنسيس في عيد الميلاد 2024، حمل رسالة قوية موجهة إلى الفئات المهمشة في المجتمع، وعلى رأسها السجناء. أشار الفاتيكان إلى أن المشاركة كانت واسعة، حيث ضمت ممثلين عن السجون الكبرى في إيطاليا، بالإضافة إلى متطوعين يعملون في مجال دعم السجناء، وحراس السجون، وقساوسة السجون من مختلف أنحاء العالم. كما سمح لعدد محدود من النزلاء بحضور القداس بعد الحصول على تصاريح خاصة، وذلك بفضل جهود جمعية قساوسة السجون الإيطالية.

ظروف السجون الصعبة عالميًا

في عظته، لم يخف البابا ليو الرابع عشر إقراره بالظروف الصعبة التي يعيشها السجناء، حتى في الدول الأكثر تقدمًا وازدهارًا. وأكد على ضرورة تعميم روح الإحسان والتسامح تجاه هذه الفئة، وكذلك تجاه المسؤولين عن حراستهم. كما سلط الضوء على مشكلتين رئيسيتين تواجهان السجون في العديد من البلدان: الاكتظاظ وعدم كفاية برامج التأهيل والتعليم التي تساعد السجناء على الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم.

وأضاف البابا: “هنا يمكن أن نذكر الاكتظاظ وعدم الالتزام الكافي بضمان برامج تعليمية مستقرة للتأهيل وفرص العمل”، مؤكدًا على أهمية الصبر والتسامح في التعامل مع هذه القضية المعقدة.

التوبة والأمل: جوهر الرسالة البابوية

لم يقتصر حديث البابا ليو الرابع عشر على الظروف المادية للسجون، بل تعمق في الجوانب الروحية والنفسية للنزلاء. شدد على أهمية مسارات التوبة، وضرورة مساعدة السجناء على التغلب على جراح الماضي وخيبات الأمل. كما حذر من إغراءات الاستسلام أو عدم المغفرة، مؤكدًا على أن الأمل هو المحرك الأساسي للتغيير الإيجابي.

“على المستوى الشخصي، دعونا لا ننسى ثقل الماضي، والجراح التي يجب شفاءها في الجسد والقلب، وخيبات الأمل، والصبر اللامتناهي الذي نحتاجه مع أنفسنا ومع الآخرين عند الشروع في مسارات التوبة، وإغراءات الاستسلام أو عدم المغفرة”، قال البابا.

إرث البابا فرنسيس في خدمة السجناء

يأتي هذا القداس في سياق الاهتمام الكبير الذي أولاه البابا فرنسيس لقضية السجون وخدمة السجناء طوال فترة بابويته التي استمرت 12 عامًا. ففي 26 ديسمبر من العام الماضي، قام البابا فرنسيس بزيارة تاريخية إلى سجن ريبيبيا في روما، حيث فتح الباب المقدس وشارك النزلاء في احتفالات اليوبيل.

كما أطلق البابا فرنسيس نداءً عامًا للحكومات في جميع أنحاء العالم بمنح العفو عن السجناء، وهو تقليد أساسي في اليوبيل الكاثوليكي. وأشار البابا ليو الرابع عشر إلى هذه الزيارة والنداء في عظته، مؤكدًا على استمرار الكنيسة في جهودها لدعم السجناء ومنحهم فرصة جديدة في الحياة.

أزمة اكتظاظ السجون في إيطاليا

تعتبر قضية اكتظاظ السجون في إيطاليا مشكلة مزمنة، وقد أثارت انتقادات من منظمات حقوق الإنسان والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وفقًا لمجموعة أنتيجون الإيطالية للدفاع عن السجناء، فإن السجون الإيطالية تعمل حاليًا بنسبة تجاوز قدرتها الاستيعابية بنسبة 135%، حيث يبلغ عدد السجناء أكثر من 63 ألفًا، في حين أن عدد الأسرة المتاحة لا يتجاوز 47 ألفًا.

تصاعد الشكاوى حول المعاملة في السجون

أظهرت إحصائيات مجموعة أنتيجون أيضًا تصاعدًا ملحوظًا في عدد الشكاوى المقدمة من السجناء بشأن المعاملة اللاإنسانية أو المهينة. فقد تلقت السلطات الإيطالية 5837 شكوى من هذا النوع العام الماضي، بزيادة قدرها 23.4% مقارنة بالعام السابق. هذه الأرقام تؤكد على الحاجة الملحة إلى إصلاح نظام السجون في إيطاليا وتحسين ظروف الحياة فيه.

ختام السنة اليوبيلية ورؤية مستقبلية

بهذا القداس، يكون البابا ليو الرابع عشر قد اختتم بشكل رسمي فعاليات السنة اليوبيلية 2025، التي كان هدفها الرئيسي هو نقل رسالة أمل خاصة إلى الفئات المهمشة في المجتمع. وسيتم إغلاق الباب المقدس لكاتدرائية القديس بطرس في 6 يناير، مما يمثل نهاية هذه الفترة الروحية الهامة.

إن تركيز الكنيسة الكاثوليكية على قضية السجون يعكس التزامها بالعدالة الاجتماعية وخدمة الإنسانية، ويسعى إلى بناء مجتمعات أكثر تسامحًا ورحمة. ومن المتوقع أن تستمر هذه الجهود في المستقبل، وأن تساهم في تحسين حياة السجناء ومنحهم فرصة للاندماج في المجتمع بعد قضاء فترة عقوبتهم.

للمزيد من المعلومات حول جهود الكنيسة الكاثوليكية في دعم السجناء، يمكنكم زيارة المواقع الرسمية للفاتيكان وجمعية قساوسة السجون الإيطالية.

شاركها.
Exit mobile version