في خطوة تعكس توجهًا نحو التجديد وتبني قيادات جديدة، عين البابا فرانسيس أساقفة جدد في كل من لندن ونيويورك، مما يشير إلى تحول في التسلسل الهرمي للكنيسة الكاثوليكية الناطقة باللغة الإنجليزية. هذه التعيينات، التي جاءت في غضون يومين، ليست فقط تغييرًا في الوجوه، بل هي أيضًا مؤشر على رؤية البابا لتحديث الكنيسة وتعزيز دورها في المجتمعات المعاصرة. محور هذا التغيير يتمثل في اختيار أساقفة قادرين على مواكبة تحديات العصر والتفاعل الإيجابي مع مختلف القضايا الاجتماعية والروحية.
تعيينات بابوية جديدة: ريتشارد موث خليفة لأساقفة وستمنستر
أعلن البابا فرانسيس عن تعيين الأسقف ريتشارد موث (67 عامًا) رئيسًا جديدًا لأساقفة وستمنستر، ليحل بذلك محل الكاردينال فنسنت نيكولز الذي بلغ الثمانين من عمره. يعتبر هذا التعيين هامًا نظرًا لأن أبرشية وستمنستر هي أكبر أبرشية كاثوليكية في بريطانيا من حيث عدد السكان والكهنة. الأسقف موث، المولود في زامبيا، يحمل خبرة واسعة في الخدمة الكنسية، حيث شغل منصب أسقف أروندل وبرايتون منذ عام 2015، وقبل ذلك كان أسقفًا للقوات المسلحة البريطانية.
أهمية رئاسة أساقفة وستمنستر
تتولى رئاسة أساقفة وستمنستر مسؤولية كبيرة في قيادة الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا وويلز. هذه الأبرشية ليست مجرد كيان ديني، بل هي مؤسسة اجتماعية وثقافية مؤثرة في حياة الكاثوليك في المنطقة. يُتوقع من الأسقف موث أن يستمر في تعزيز الحوار بين الكنيسة والمجتمع، وأن يعالج القضايا الملحة التي تواجه المؤمنين، مثل الفقر والعدالة الاجتماعية وقضايا الاندماج.
تعيين رونالد هيكس رئيسًا لأساقفة نيويورك
وفي تطور موازٍ، عين البابا فرانسيس الأسقف رونالد هيكس (58 عامًا) رئيسًا لأساقفة نيويورك، خلفًا للكاردينال تيموثي دولان. يعتبر هذا التعيين أيضًا جزءًا من عملية التجديد التي تشهدها الكنيسة الكاثوليكية. نيويورك، كونها واحدة من أكبر وأهم الأبرشيات في الولايات المتحدة، تتطلب قيادة قوية وحكيمة قادرة على توجيه الكنيسة في بيئة متنوعة ومعقدة.
مغزى استبدال الكاردينال دولان
استبدال الكاردينال دولان، الذي كان يمثل الجناح المحافظ في الكنيسة، بهذا التعيين، يرسل إشارة واضحة عن رغبة البابا فرانسيس في تعزيز التوجهات الإصلاحية والاجتماعية في الكنيسة الكاثوليكية. الكاردينال دولان، الذي قدم استقالته في فبراير بعد بلوغه سن التقاعد، كان قد أنهى مؤخرًا إنشاء صندوق تسوية بقيمة 300 مليون دولار لضحايا الاعتداء الجنسي على رجال الدين، وهو ملف حساس للغاية للكنيسة.
البابا فرانسيس والتجديد في الكنيسة الكاثوليكية
أكد البابا فرانسيس في خطابات سابقة على أهمية احترام معيار سن التقاعد للأساقفة، والذي يبلغ 75 عامًا، كوسيلة لتنشيط قيادة الكنيسة وإفساح المجال أمام الأجيال الجديدة. ومع ذلك، أشار أيضًا إلى إمكانية تمديد فترة خدمة الكرادلة لمدة عامين في حالات استثنائية. هذا التوجه يعكس رغبة البابا في تحقيق التوازن بين الخبرة والتجديد، وبين الحفاظ على التقاليد والانفتاح على التغيير.
التعيينات الأخيرة ليست مجرد تغييرات إدارية، بل هي تعبير عن رؤية البابا فرانسيس للكنيسة الكاثوليكية في القرن الحادي والعشرين. فهو يسعى إلى بناء كنيسة أكثر شمولية وتفاعلية، قادرة على مواجهة التحديات المعاصرة وتقديم رسالة أمل وسلام للعالم. القيادة الكنسية الجديدة، المتمثلة في الأسقف موث والأسقف هيكس، تحمل على عاتقها مسؤولية كبيرة في تحقيق هذه الرؤية.
تعيينات إضافية وتأثيرها على المجتمعات المحلية
بالإضافة إلى التعيينات في لندن ونيويورك، قبل البابا فرانسيس استقالة الأسقف جيرالد بارباريتو (75 عامًا) من منصب أسقف بالم بيتش في فلوريدا، وعين القس مانويل دي خيسوس رودريغيز خلفًا له. رودريغيز، قس الكنيسة حاليًا، معروف بدفاعه القوي عن حقوق المهاجرين، وهو موضوع ذو أهمية خاصة في أبرشية بالم بيتش التي تضم عددًا كبيرًا من السكان من أصول لاتينية.
دور القس رودريغيز في دعم المهاجرين
القس رودريغيز، الذي كان يقود كنيسة سيدة الأحزان في حي كوينز بمدينة نيويورك، يتمتع بخبرة واسعة في العمل مع المجتمعات المهاجرة. الكنيسة التي كان يقودها تعد الأكبر في أبرشية بروكلين، وتضم أكثر من 17 ألف مصلٍ، وقد تضررت بشكل كبير خلال جائحة كوفيد-19، حيث فقدت أكثر من 100 من أبناء رعيتها. الخدمة المجتمعية التي قدمها القس رودريغيز في كوينز تجعله مؤهلاً بشكل خاص لقيادة أبرشية بالم بيتش، حيث يمكنه الاستمرار في دعم المهاجرين والدفاع عن حقوقهم.
وفي مقابلة له، أعرب القس رودريغيز عن رغبته في مساعدة الرئيس ترامب على القيام بعمل أفضل، مشيرًا إلى أن الكنيسة الكاثوليكية تسعى إلى تعزيز السلام والعدالة للجميع. كما انتقد حملة إدارة ترامب ضد الهجرة، واصفًا إياها بأنها تشتت العائلات وتثير المخاوف. العدالة الاجتماعية هي أحد القيم الأساسية التي يدافع عنها القس رودريغيز، وهو ما يجعله شخصية مؤثرة في المجتمع المحلي.
في الختام، تعكس هذه التعيينات البابوية الجديدة التزام الكنيسة الكاثوليكية بالتجديد والتكيف مع المتغيرات العصرية. من خلال اختيار قيادات جديدة تتمتع بالخبرة والرؤية، يسعى البابا فرانسيس إلى تعزيز دور الكنيسة في خدمة المجتمعات المحلية والعالم بأسره. نتمنى للأساقفة الجدد التوفيق في مهامهم الجديدة، ونتطلع إلى رؤية تأثيرهم الإيجابي على الكنيسة والمجتمع.

