تظاهرات حاشدة في البرازيل ضد مشروع قانون “العفو” لبولسونارو، وتصاعد التوتر السياسي
شهدت البرازيل يوم الأحد الماضي موجة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق، حيث نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لمشروع قانون مثير للجدل يهدف إلى تخفيف العقوبة على الرئيس السابق جايير بولسونارو. يأتي هذا المشروع في أعقاب إدانة بولسونارو بمحاولة انقلاب، ويُخشى أن يفتح الباب أمام إفلات المتورطين في أعمال العنف والتحريض من العقاب. وتأتي هذه التطورات في ظل متابعة دولية متزايدة للمشاكل القانونية التي تواجه الرئيس السابق، وتأثيرها على العلاقات البرازيلية مع دول أخرى، خاصة الولايات المتحدة.
غضب شعبي عارم ضد مشروع قانون “العفو”
انطلقت المظاهرات في العاصمة برازيليا، وامتدت لتشمل مدنًا رئيسية أخرى مثل ساو باولو وفلوريانوبوليس وسلفادور وريسيفي، وصولًا إلى شاطئ كوباكابانا الشهير في ريو دي جانيرو. هتف المتظاهرون بشعارات قوية رافضة لـ “العفو” عن بولسونارو، مطالبين بمحاسبته على أفعاله. وركزت الاحتجاجات بشكل خاص على انتقاد رئيس مجلس النواب، هوجو موتا، الذي وافق على مشروع القانون الأربعاء الماضي، مما أثار غضبًا عارمًا في أوساط المعارضة والناشطين.
“إنها محاولة لحماية أولئك الذين حاولوا الانقلاب”، هذا ما قاله أنطونيو إيدسون ليما دي أوليفيرا، جيولوجي يبلغ من العمر 56 عامًا، مشاركًا في الاحتجاج في ريو. وأضاف: “لقد شهدت البرازيل بالفعل العديد من الأنظمة الدكتاتورية، وكانت هذه الأنظمة فظيعة بالنسبة للبلاد. ولا نريد أن يحدث ذلك مرة أخرى أبدًا”. هذا التصريح يعكس المخاوف العميقة لدى قطاعات واسعة من الشعب البرازيلي من عودة الماضي الاستبدادي.
دعم فني وسياسي: فنانون وناشطون في قلب الاحتجاجات
لم تقتصر الاحتجاجات على المواطنين العاديين، بل شهدت مشاركة واسعة من الفنانين والمثقفين والناشطين السياسيين. وقدم فنانون مشهورون، مثل كايتانو فيلوسو وجيلبرتو جيل، عروضًا حية في ريو دي جانيرو، مما أضفى على المظاهرات طابعًا احتفاليًا وساخرًا في آن واحد. كما حمل العديد من المتظاهرين لافتات كتب عليها “الكونغرس عدو الشعب”، تعبيرًا عن خيبة أملهم من المؤسسة التشريعية ودورها في هذا السياق.
لافينيا سكاليا، منظمة للحركات الطلابية تبلغ من العمر 18 عامًا، شددت على أهمية النزول إلى الشوارع، قائلة: “من المهم جداً أن نكون هنا لتشجيع الناس على النزول إلى الشوارع. لكنني أعتقد أننا لا يجب أن نأتي للغناء فقط، بل علينا أن نأتي للقتال فعلياً”. هذا التصريح يعكس تصميم الشباب البرازيلي على الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون.
خلفية القضية: أعمال شغب 8 يناير ومحاولة الانقلاب
يعود مشروع القانون المثير للجدل إلى أعقاب أعمال الشغب التي شهدتها البرازيل في 8 يناير 2023، عندما اقتحم أنصار بولسونارو المباني الحكومية في برازيليا. واتهم القضاة بولسونارو بقيادة منظمة إجرامية وراء هذه التمرد، الذي كان يهدف إلى الإطاحة بالرئيس الحالي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي تولى منصبه بعد فوزه في انتخابات أكتوبر 2022.
يهدف مشروع القانون، الذي رعاه باولينيو دا فورسا، إلى “المصالحة” من خلال تخفيف العقوبات على جميع المدانين المتورطين في أعمال الشغب، بما في ذلك بولسونارو. ووفقًا للمقترح، قد يتم تقليل مدة سجن بولسونارو إلى عامين وأربعة أشهر فقط. إلا أن الرئيس لولا دا سيلفا قد أكد أنه سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد القانون، مؤكدًا على رفضه لأي محاولة للإفلات من العقاب للمتورطين في تهديد الديمقراطية.
تخفيف الإدانات: آليات مقترحة
يقترح مشروع القانون تخفيف العقوبة على بولسونارو من خلال تنفيذ أحكامه في قضايا محاولة الانقلاب والإطاحة العنيفة بسيادة القانون بشكل متزامن وليس على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، يسعى القانون إلى تغيير شروط الإفراج المشروط، مما يسمح بالإفراج من الحبس الكامل إلى الإفراج المشروط بعد قضاء سدس العقوبة فقط، بدلاً من الربع الحالي. هذه التعديلات تثير قلقًا بالغًا لدى الكثيرين، الذين يرون فيها محاولة لتقويض سلطة القضاء وتسهيل إطلاق سراح المتورطين في أعمال عنف خطيرة.
تداعيات دولية وتصعيد التوتر السياسي
لم تقتصر تداعيات هذه القضية على الساحة الداخلية البرازيلية، بل امتدت لتشمل العلاقات الدولية. فقد فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يوليو الماضي تعريفة جمركية بنسبة 50% على السلع البرازيلية، مستندًا في ذلك إلى محاكمة بولسونارو التي وصفها بـ “مطاردة الساحرات”. أدى هذا الإجراء إلى أسوأ أزمة في العلاقات بين البلدين على الإطلاق.
لحسن الحظ، تحسنت العلاقات لاحقًا، حيث التقى الرئيس لولا دا سيلفا مع ترامب في ماليزيا في أكتوبر الماضي. وقد ألغت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على العديد من السلع البرازيلية، بما في ذلك القهوة ولحم البقر. وفي تطور لافت، سحبت الولايات المتحدة قاضي المحكمة العليا البرازيلية ألكسندر دي مورايس من قائمة العقوبات يوم الجمعة الماضي.
الوضع الحالي يمثل اختبارًا حقيقيًا للديمقراطية البرازيلية، ويراقب المجتمع الدولي عن كثب التطورات الجارية. وتشير التوقعات إلى أن مشروع القانون سيثير جدلاً واسعًا في مجلس الشيوخ، وأن الرئيس لولا دا سيلفا سيضطر إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لحماية مبادئ العدالة وسيادة القانون. ويبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت البرازيل ستنجح في تجاوز هذه الأزمة، والحفاظ على استقرارها السياسي ومصداقيتها الدولية. وفي ظل هذه الظروف، يظل مصير بولسونارو و مستقبل الديمقراطية البرازيلية معلقًا.

