إيسواتيني تقود أفريقيا في تبني حقنة “ليناكابافير” الثورية للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية، في خطوة تاريخية تثير الأمل في القارة. هذا الدواء الجديد، الذي يمثل نقلة نوعية في مكافحة الإيدز، يوفر حماية شبه كاملة ويُعطى مرتين في السنة فقط، مما يقلل بشكل كبير من عبء الالتزام اليومي بالعلاج الوقائي. يمثل إطلاق “ليناكابافير” في إيسواتيني، التي تعاني من أعلى معدلات الإصابة بالفيروس في العالم، بداية مبشرة لبرنامج يهدف إلى الوصول إلى مليوني شخص في عشر دول أفريقية بحلول عام 2027، وذلك بدعم من خطة الرئيس الأمريكي الطارئة للإغاثة من الإيدز (PEPFAR) والشراكة مع الصندوق العالمي.

“ليناكابافير”: نقطة تحول في الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية

يعتبر عقار “ليناكابافير” (Lenacapavir) تطورًا هامًا في مجال الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). فهو أول دواء وقائي طويل المفعول يتم إعطاؤه على شكل حقنة، مما يوفر بديلاً فعالاً للأقراص اليومية. وقد أظهرت الدراسات السريرية نتائج مبهرة، حيث قدم حماية شبه كاملة للمشاركين.

آلية عمل الدواء وأهميته

يعمل “ليناكابافير” عن طريق تثبيط وظيفة البروتين الفيروسي الذي يحتاجه الفيروس للتكاثر، مما يمنع انتشاره في الجسم. هذه الآلية الفريدة تجعله فعالاً ضد سلالات فيروس نقص المناعة البشرية المقاومة للأدوية الأخرى. أهمية هذا الدواء تكمن في قدرته على تبسيط عملية الوقاية، مما يزيد من فرص التزام الأفراد بالخطة العلاجية ويقلل من خطر الإصابة.

إطلاق الدواء في إيسواتيني وزامبيا: بداية الانتشار في أفريقيا

اختارت شركة Gilead Sciences، مطورة الدواء، إيسواتيني كأول دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لإطلاق “ليناكابافير”. يعزى هذا الاختيار إلى ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في إيسواتيني، بالإضافة إلى التزام الحكومة ببرامج مكافحة الإيدز. كما تلقت زامبيا شحنتها الأولى من الدواء في نفس اليوم، مما يشير إلى التوسع السريع في توفره.

من المقرر أن يستفيد حوالي 6000 شخص في إيسواتيني من الإصدار الأولي للدواء، مع التركيز بشكل خاص على منع انتقال الفيروس من الأمهات إلى الأطفال حديثي الولادة. إيسواتيني، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.2 مليون نسمة، تضم حاليًا أكثر من 200 ألف شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، ويتلقى معظمهم العلاج بتمويل من خطة PEPFAR.

التحديات والفرص: التمويل والإمدادات والتصنيع المحلي

على الرغم من الترحيب الواسع النطاق بـ “ليناكابافير”، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها. فقد أثرت التخفيضات الأخيرة في المساعدات الخارجية الأمريكية، التي حدثت في عهد الرئيس ترامب، بشكل كبير على البرامج الصحية في أفريقيا. في البداية، كان من المقرر توزيع 250 ألف جرعة فقط على عشر دول هذا العام، ولكن تم زيادة هذا العدد إلى 325 ألفًا بسبب “علامات الطلب المبكر”.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن الإمدادات المحدودة من الدواء، خاصة مع بدء جنوب أفريقيا طرحها الخاص في عام 2026. وقد أثار وزير الصحة في جنوب أفريقيا، آرون موتسواليدي، هذا القلق، معربًا عن ترحيبه بالدواء في الوقت نفسه.

ومع ذلك، فإن التخفيض الكبير الذي أجرته شركة Gilead Sciences في الأسعار، من أكثر من 28 ألف دولار للشخص الواحد سنويًا في الولايات المتحدة إلى حوالي 40 دولارًا في البلدان ذات الدخل المنخفض، يمثل فرصة كبيرة لزيادة إمكانية الوصول إلى الدواء.

هذا التخفيض في الأسعار أثار جدلاً حول حقوق الوصول والتصنيع، حيث انتقدت مجموعات المجتمع المدني في جنوب أفريقيا شركة Gilead Sciences لاستبعاد المصنعين المحليين من اتفاقيات الترخيص الطوعية، على الرغم من دور الدولة في التجارب السريرية. إن تعزيز التصنيع المحلي للأدوية المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية يمكن أن يضمن إمدادات مستدامة وبأسعار معقولة.

ردود الفعل العالمية والتزام المنظمات الدولية

أعربت منظمة الصحة العالمية (WHO) عن موافقتها على “ليناكابافير” كخيار إضافي للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية في يوليو/تموز. كما وصف برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (UNAIDS) الحقن طويلة المفعول بأنها “خيار جديد” في مواجهة المخاوف من أن يؤدي خفض التمويل الأجنبي إلى تفاقم انتشار العدوى.

وصف دانيال أوداي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة Gilead Sciences، طرح إيسواتيني بأنه “استثنائي” لأنه “المرة الأولى في التاريخ التي يصل فيها دواء جديد لفيروس نقص المناعة البشرية إلى دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في نفس العام الذي تمت فيه موافقة الولايات المتحدة”.

مستقبل الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية في أفريقيا

يمثل إطلاق “ليناكابافير” في إيسواتيني خطوة مهمة نحو مستقبل خالٍ من الإيدز في أفريقيا. إن توفير خيارات وقاية فعالة وسهلة الاستخدام، مثل هذه الحقنة، يمكن أن يساعد في الحد من انتشار الفيروس وتحسين حياة الملايين. ومع ذلك، فإن النجاح الكامل يتطلب التزامًا مستمرًا من الحكومات والمنظمات الدولية وشركات الأدوية، بالإضافة إلى معالجة التحديات المتعلقة بالتمويل والإمدادات والتصنيع المحلي. إن الاستثمار في البحث والتطوير، وتعزيز الوصول العادل إلى الأدوية، وتمكين المجتمعات المحلية، هي مفاتيح أساسية لتحقيق هذا الهدف الطموح.

لمزيد من المعلومات حول أفريقيا والتنمية: https://apnews.com/hub/africa-pulse

شاركها.
Exit mobile version