في خضمّ نقاش متصاعد حول حرية الصحافة والمعلومات المضللة، أقرت الهيئة التشريعية في كوريا الجنوبية مشروع قانون مثير للجدل يهدف إلى مكافحة انتشار “المعلومات الكاذبة أو الملفقة”. يثير هذا التشريع، الذي يتيح فرض تعويضات عقابية كبيرة على وسائل الإعلام، مخاوف واسعة النطاق بشأن الرقابة المحتملة وتقويض الحريات المدنية. يركز هذا المقال على تفاصيل الأخبار الكاذبة في كوريا الجنوبية، وتداعيات هذا القانون الجديد، والجدل الدائر حوله.
مشروع قانون مكافحة المعلومات المضللة: نظرة عامة
أقرّ البرلمان الكوري الجنوبي، الذي يقوده الحزب الديمقراطي الليبرالي، مشروع القانون يوم الأربعاء، مما يسمح بفرض تعويضات عقابية تصل إلى خمسة أضعاف الخسائر المثبتة على المؤسسات الإخبارية وقنوات اليوتيوب الكبيرة التي تنشر معلومات تعتبرها المحكمة “غير قانونية أو كاذبة وملفقة” بقصد التسبب في ضرر أو تحقيق ربح. بالإضافة إلى ذلك، يسمح القانون بتعويضات تصل إلى 50 مليون وون (حوالي 34200 دولار أمريكي) عن الأضرار التي يصعب تحديدها بدقة.
كما يمنح القانون هيئة تنظيم وسائل الإعلام صلاحيات واسعة لفرض غرامات تصل إلى مليار وون (حوالي 684 ألف دولار أمريكي) على وسائل الإعلام التي تنشر معلومات كاذبة أو مضللة بشكل متكرر. هذا التشريع يمثل محاولة جادة لمعالجة مشكلة انتشار الأخبار المضللة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، خاصةً خلال فترات الاضطرابات السياسية.
دوافع القانون والخلفية السياسية
يعود إقرار هذا القانون إلى مخاوف متزايدة بشأن تأثير التضليل الإعلامي على الديمقراطية الكورية الجنوبية. وقد ازدادت هذه المخاوف بشكل خاص بعد فترة من الادعاءات بتزوير الانتخابات من قبل الرئيس السابق يون سوك يول، والتي روج لها عبر قناته على يوتيوب. يرى الديمقراطيون أن القانون ضروري لحماية المجتمع من الانقسامات وخطاب الكراهية الذي يغذيه انتشار المعلومات الكاذبة.
ومع ذلك، يرى منتقدون أن القانون يأتي في سياق سياسي أوسع، حيث يسعى الحزب الديمقراطي إلى تعزيز سيطرته على وسائل الإعلام وتقويض المعارضة. فشل الديمقراطيون في تمرير تشريعات مماثلة في عهود الحكومات السابقة، مما يشير إلى أن إقرار القانون الحالي يعكس تحولاً في ميزان القوى السياسية.
المخاوف من الرقابة وتقويض حرية الصحافة
أثارت صياغة القانون الغامضة مخاوف كبيرة بين الصحفيين والمدافعين عن الحرية المدنية. ينتقدون بشكل خاص عدم وجود تعريف واضح ومحدد للمعلومات التي سيتم حظرها، مما يفتح الباب أمام تفسيرات واسعة النطاق قد تشمل التقارير النقدية المشروعة.
يشعر الكثيرون بالقلق من أن القانون قد يستخدم كأداة لإسكات المنتقدين، سواء كانوا صحفيين أو مدونين أو مواطنين عاديين، من خلال التهديد برفع دعاوى قضائية باهظة الثمن. كما يخشون من أن القانون قد يضع ضغوطًا على المؤسسات الإخبارية لتجنب تغطية القضايا المثيرة للجدل، مما يؤدي إلى تقويض دورها الرقابي.
ردود الفعل والانتقادات
واجه مشروع القانون معارضة شديدة من المجموعات الصحفية ومنظمات المجتمع المدني. دعت منظمة تضامن الشعب من أجل الديمقراطية التشاركية الرئيس لي جاي ميونغ إلى استخدام حق النقض ضده، محذرة من أنه يمثل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية وحرية التعبير.
كما أعرب الاتحاد الوطني للعاملين في مجال الإعلام عن قلقه، وحث الحكومة على توضيح نطاق القانون في مرسوم تنفيذي لضمان عدم استخدامه لاستهداف المحتوى الذي يمثل نقدًا مشروعًا.
على الرغم من تأكيدات الديمقراطيين بأن القانون لن يستهدف سوى المعلومات الكاذبة التي يتم نشرها عن عمد بقصد التسبب في ضرر، إلا أن النقاد يشيرون إلى أن هذا الشرط قد يكون من الصعب إثباته في المحكمة.
مستقبل حرية الإعلام في كوريا الجنوبية
يمثل إقرار هذا القانون نقطة تحول في النقاش حول حرية الإعلام في كوريا الجنوبية. بينما يرى مؤيدوه أنه ضروري لحماية المجتمع من تأثير الأخبار الكاذبة، يخشى معارضوه من أنه سيؤدي إلى الرقابة وتقويض الديمقراطية.
من المرجح أن يكون تأثير القانون على المدى الطويل معقدًا ومتعدد الأوجه. قد يؤدي إلى انخفاض في انتشار المعلومات المضللة، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى تراجع في حرية الصحافة وزيادة في الرقابة الذاتية.
يبقى أن نرى ما إذا كان الرئيس لي جاي ميونغ سيستخدم حق النقض ضده، أو ما إذا كانت الحكومة ستصدر مرسومًا تنفيذيًا يوضح نطاقه ويحد من تطبيقه. في كلتا الحالتين، فإن مستقبل حرية الإعلام في كوريا الجنوبية يعتمد على هذه القرارات الحاسمة.

