في مشهد متصاعد من الاحتجاجات الزراعية في اليونان، شهدت مدينة ثيسالونيكي، ثاني أكبر مدن البلاد، يوم الجمعة مواجهات بين الشرطة والمزارعين الغاضبين. استخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لتفريق المزارعين الذين حاولوا إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى المطار الدولي، وذلك في إطار تصعيد احتجاجاتهم المطالبة بتسريع دفع الإعانات الزراعية المتأخرة. هذه الاحتجاجات، التي تشمل حواجز واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد، تلقي الضوء على أزمة عميقة تواجه القطاع الزراعي اليوناني.

أسباب الاحتجاجات وتصاعدها

تأتي هذه الاحتجاجات في أعقاب كشف عن عمليات احتيال واسعة النطاق في الحصول على دعم زراعي من الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، بدأت السلطات اليونانية بمراجعة جميع الطلبات، مما أدى إلى تأخيرات كبيرة في الدفع. يرى المزارعون أن هذا التأخير يشكل عقابًا جماعيًا، حيث يعيق قدرتهم على تغطية نفقاتهم والاستعداد للموسم الزراعي القادم.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه القطاع الزراعي تحديات أخرى، مثل تفشي مرض جدري الماعز والأغنام الذي أدى إلى إعدام أعداد كبيرة من الماشية، مما زاد من الضغوط المالية على المزارعين. هذه العوامل مجتمعة دفعتهم إلى النزول إلى الشوارع والمطالبة بحقوقهم.

حصار الطرق وتأثيره على حركة المرور

قام المزارعون بنشر آلاف الجرارات والمركبات الزراعية الأخرى على المعابر الحدودية والطرق السريعة الرئيسية في جميع أنحاء اليونان. أدى هذا إلى تعطيل حركة المرور بشكل دوري، مع تهديدات بإغلاق الطرق بشكل كامل، بالإضافة إلى المطارات والموانئ.

وقد اضطرت الشرطة إلى تنفيذ تحويلات مرورية في مناطق مختلفة من شمال ووسط اليونان لتجنب الحصار. كما أن الحواجز الزراعية على الحدود الشمالية مع بلغاريا وتركيا ومقدونيا الشمالية تعيق حركة مرور الشاحنات، مما يتسبب في تراكمها وتأخير وصول البضائع. في ثيسالونيكي تحديدًا، أغلق ما بين 200 و 300 مزارع، باستخدام أكثر من 100 جرار، أحد الطرق القريبة من المطار. حاولت مجموعة صغيرة اختراق طوق الشرطة وإغلاق طريق الوصول الرئيسي للمطار، وهو ما كان سيؤدي إلى توقف حركة المسافرين تمامًا.

ردود فعل الحكومة ومطالب المزارعين

أكد وزير النظام العام اليوناني، ميكاليس كريسوكويديس، أن الحكومة لا تزال منفتحة على إجراء محادثات مع قادة الاحتجاج، لكنه حذر في الوقت نفسه من أنها لن تتسامح مع إغلاق نقاط العبور الرئيسية.

نائب رئيس اتحاد المزارعين في ثيسالونيكي، كريستوس تسيلياس، دعا الجمهور إلى دعم مطالب المزارعين والضغط على الحكومة للإفراج عن المدفوعات المتأخرة. وأضاف أن “سهول سالونيك والمناطق المجاورة في هالكيديكي غير مزروعة في الوقت الحالي” بسبب نقص التمويل لشراء المواد الخام الأساسية مثل البذور والأسمدة.

صدى الاحتجاجات وتاريخها في اليونان

الاحتجاجات الزراعية ليست ظاهرة جديدة في اليونان. فقد شهدت البلاد في الماضي عمليات حصار مماثلة للطرق، استمرت في بعض الأحيان لأسابيع، وأدت إلى قطع حركة المرور بين الشمال والجنوب. تعتبر هذه الاحتجاجات وسيلة تقليدية للمزارعين اليونانيين للتعبير عن استيائهم ومطالبهم.

تأتي هذه المظاهرات أيضًا في أعقاب استقالة خمسة مسؤولين حكوميين كبار في يونيو الماضي، بسبب فضيحة الدعم. بالإضافة إلى ذلك، بدأت عملية تجميد لعمل هيئة حكومية مسؤولة عن إدارة المنح الزراعية. وقد أدت هذه الأحداث إلى زيادة الشكوك والتوترات بين المزارعين والحكومة.

التحقيق في عمليات الاحتيال وتداعياته

يتم حاليًا تحقيق في عمليات الاحتيال التي استهدفت صندوق الدعم الزراعي التابع للاتحاد الأوروبي، من قبل مكتب المدعي العام الأوروبي. وقد تم القبض على العشرات من الأشخاص المتهمين بتقديم مطالبات كاذبة.

وفي نهاية أكتوبر الماضي، أعلنت هيئة الاتحاد الأوروبي المستقلة المسؤولة عن التحقيق في الجرائم المالية أن التحقيق يتعلق بـ”مخطط احتيال منهجي واسع النطاق في مجال الدعم وأنشطة غسيل الأموال”. هذا التصريح يؤكد خطورة الوضع وتعقيداته.

مستقبل الاحتجاجات والقطاع الزراعي

في ظل استمرار تأخير دفع الإعانات الزراعية، وعدم وجود حلول جذرية لمواجهة عمليات الاحتيال، من المتوقع أن تستمر الاحتجاجات الزراعية في اليونان. وقال المزارع فاسيليس مافروسكاس: “لقد خرجنا إلى الشارع بينما كان ينبغي لنا أن نزرع. لقد أفلسنا”. وأضاف أن عدم القدرة على زراعة المحاصيل سيكون لها تأثير سلبي على الإمدادات الغذائية للمدن، مؤكدًا أن الأمر يتعلق بـ”مسألة بقاء”.

من الضروري أن تتخذ الحكومة اليونانية خطوات سريعة وفعالة لمعالجة هذه الأزمة، وتلبية مطالب المزارعين بشكل عادل وشفاف. فإن مستقبل القطاع الزراعي اليوناني، والأمن الغذائي للبلاد، يعتمدان على ذلك. كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يساهم في إيجاد حلول لهذه المشكلة، لضمان حصول المزارعين اليونانيين على الدعم الذي يستحقونه.

شاركها.
Exit mobile version