في تطور تاريخي يعكس سعي جنوب أفريقيا لمواجهة ماضيها المؤلم، أدين ضابطا شرطة سابقان من حقبة الفصل العنصري بجريمة قتل الناشط كاييفوس نيوكا عام 1987. هذه القضية، التي ظلت عالقة لعقود، تمثل لحظة فارقة في مساعي البلاد لتحقيق العدالة والمصالحة، وتُظهر كيف يمكن لظل جرائم الفصل العنصري أن يمتد عبر الزمن ليطالب بالحق.

تفاصيل القضية وإدانة المتهمين

أدين أبراهام إنغلبريشت وبيتر ستاندر، وهما في الستينيات من عمرهما، من قبل قاضٍ في محكمة غوتنغ العليا في جوهانسبرغ بتهمة قتل نيوكا. يأتي هذا الحكم بعد سنوات من الغموض والإنكار، وبعد اعتراف سابق لأحد الضباط، يوهان ماريه، بالذنب في القضية عام 2019، وحكم عليه بالسجن 15 عامًا.

تُظهر تفاصيل القضية وحشية نظام الفصل العنصري وقدرته على التستر على جرائمه. فقد تعرض نيوكا، وهو ناشط محلي مناهض للفصل العنصري، لوابل من الرصاص – 12 رصاصة على الأقل – خلال مداهمة منزله في جوهانسبرغ في ساعات الفجر. ووفقًا لتقرير علم الأمراض وسجلات المحكمة، أصيب نيوكا برصاصات متعددة في رأسه ورقبته وصدره وذراعيه، حتى بعد سقوطه على الأرض.

في البداية، دافعت الشرطة عن نفسها بزعم أنها تصرفت دفاعًا عن النفس، وهو مبرر شائع استخدمته السلطات في تلك الفترة للتغطية على عمليات القتل السياسي. ولكن، إعادة فتح القضية والاعترافات اللاحقة كشفت عن الحقيقة المرة.

إعادة فتح القضية وعملية المصالحة

تم إحياء قضية نيوكا في عام 1997 من خلال لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، وهي لجنة تأسست بعد نهاية حكم الأقلية البيضاء في عام 1994. كان الهدف من هذه اللجنة هو كشف انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال فترة الفصل العنصري، ومنح الجناة فرصة للاعتراف بجرائمهم وطلب العفو، في محاولة لتعزيز المصالحة الوطنية.

على الرغم من أن اللجنة كشفت عن آلاف الحالات من القتل السياسي والتعذيب والاختطاف، إلا أن القليل جدًا من هذه الحالات انتهى بمحاكمات جنائية. هذا أدى إلى إحباط وغضب شديد بين الضحايا وعائلاتهم، الذين شعروا بأن العدالة قد تأخرت أو لم تتحقق على الإطلاق.

زخم جديد في ملاحقة جرائم الماضي

في السنوات الأخيرة، ومع تزايد الضغط الشعبي، بدأت سلطات جنوب أفريقيا في إعادة النظر في بعض القضايا القديمة المتعلقة بـ انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الفصل العنصري.

في أكتوبر الماضي، قضت محكمة بأن ألبرت لوثولي، الزعيم البارز في حركة المؤتمر الوطني الأفريقي المناهضة للفصل العنصري، قد تعرض للضرب حتى الموت عام 1967، على الأرجح على يد شرطة الأمن. وقد رفضت المحكمة الرواية السابقة التي زعمت أن لوثولي توفي نتيجة حادث قطار.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت السلطات أنها ستفتح تحقيقًا جديدًا في وفاة ستيف بيكو، الشخصية الشهيرة المناهضة للفصل العنصري، أثناء احتجازه من قبل الشرطة عام 1977. وقد أثارت وفاة بيكو موجة غضب عالمية ضد نظام الفصل العنصري الوحشي.

تساؤلات حول دور الحكومات الديمقراطية

أثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومات الديمقراطية في جنوب أفريقيا، بقيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، قد عرقلت عمدًا التحقيقات في جرائم ضد النشطاء في الماضي. وقد أعرب بعض أهالي الضحايا عن اعتقادهم بأن هناك دوافع سياسية وراء عدم ملاحقة هذه الجرائم لفترة طويلة.

التحقيقات الجارية في هذه القضايا الحساسة تمثل تحديًا كبيرًا للنظام القضائي في جنوب أفريقيا، وتتطلب التزامًا قويًا بالشفافية والعدالة.

أهمية هذا الحكم وتأثيره المستقبلي

إن إدانة ضابطي الشرطة السابقين في قضية كاييفوس نيوكا تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، وإرساء مبدأ المساءلة عن جرائم الماضي. يُظهر هذا الحكم أن نظام الفصل العنصري لن يظل دون عقاب، وأن العدالة يمكن أن تتحقق حتى بعد مرور عقود.

من المتوقع أن يكون لهذا الحكم تأثير إيجابي على الجهود المبذولة لمواجهة الإرث المعقد للفصل العنصري في جنوب أفريقيا. قد يشجع الضحايا الآخرين وعائلاتهم على التقدم بطلب لإعادة فتح قضاياهم، ويسلط الضوء على الحاجة إلى إجراء إصلاحات شاملة في النظام القضائي لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل.

إن قضية نيوكا هي تذكير مؤلم بالظلم والمعاناة التي تسبب بها نظام الفصل العنصري. ولكنها أيضًا شهادة على قوة الإرادة في السعي لتحقيق العدالة والمصالحة، وبناء مجتمع أكثر مساواة وإنصافًا. ستظل هذه القضية محفورة في ذاكرة جنوب أفريقيا كدرس مستمر في أهمية حماية حقوق الإنسان ومحاربة التمييز العنصري بكل أشكاله.

شاركها.
Exit mobile version