يبدو أن المساعد الصوتي “سيري” من شركة آبل قد منحها انطلاقة كبيرة في سباق المساعدين الرقميين. ومع ذلك، على الرغم من هذه البداية القوية، لم تحقق آبل تقدمًا كبيرًا على غرار “تشات جي بي تي” في مجال الذكاء الاصطناعي الجديد. يثير هذا التساؤل حول الأسباب الكامنة وراء هذا التفاوت، خاصةً مع الاستثمارات الضخمة التي قامت بها الشركة في هذا المجال.

يعتقد باباك هودجات، أحد مخترعي تقنية معالجة اللغة الطبيعية الأساسية التي أدت إلى تطوير “سيري”، أن آبل لم تستغل تفوقها المبكر بسبب تركيزها الشديد على المظهر البصري والصوتي للمساعد، بدلًا من جودة التفاعلات التي يقدمها للمستخدمين. هذا التركيز قد يكون أدى إلى إغفال جوانب أساسية في تطوير القدرات المعرفية واللغوية لـ “سيري”.

لماذا لم تحقق آبل “تحول تشات جي بي تي” في مجال المساعدين الصوتيين؟

أوضح هودجات في مقابلة مع Business Insider خلال قمة الإنترنت في لشبونة الشهر الماضي، أن آبل ركزت بشكل كبير على “الشكل والمظهر العام لـ “سيري”” بدلًا من تحسين الإجابات التي يقدمها. هذا النهج قد يكون قلل من أهمية تطوير خوارزميات أكثر ذكاءً وقدرة على فهم السياق والتعامل مع الاستفسارات المعقدة.

لم ترد شركة آبل على طلب للتعليق على هذه المسألة. ومع ذلك، تشير تصريحات هودجات إلى أن الشركة ربما أخطأت في تقييم أولويات تطوير المساعد الصوتي، مما أدى إلى تراكم الفجوة مع المنافسين الذين يركزون بشكل أكبر على الأداء الوظيفي والذكاء.

تعود الفكرة الأصلية والتقنية التي تقوم عليها “سيري” إلى أواخر التسعينيات. فقد كان هودجات رئيسًا للتقنية في شركة ناشئة تسمى Dejima، والتي أسسها مع أصدقائه من جامعة كيوشو في اليابان. طورت Dejima وبادرت إلى تسجيل براءة اختراع تقنية موجهة نحو الوكلاء الذكيين، والتي أصبحت جزءًا من الأساس لمشروع بحثي كبير في مجال الذكاء الاصطناعي ممول من الحكومة الأمريكية يسمى CALO (المساعد المعرفي الذي يتعلم وينظم).

في عام 2007، قامت مجموعة من المهندسين من هذا المشروع – لم يشارك فيهم هودجات – بتأسيس شركة تسمى “سيري” بهدف تسويق هذه التقنية. وبعد ثلاث سنوات، استحوذت آبل على “سيري” وأطلقتها للاستخدام العام في هواتف iPhone في عام 2011. لم يشارك هودجات في تطوير “سيري” بعد الاستحواذ.

نظرة على الوضع الحالي

يعمل هودجات حاليًا ككبير مسؤولي الذكاء الاصطناعي في شركة Cognizant للاستشارات المهنية، حيث يتولى مسؤولية فريق من علماء وباحثي الذكاء الاصطناعي داخل مختبرات الابتكار التابعة للشركة. من وجهة نظره كمراقب خارجي، يرى أن الإطلاق الأولي لـ “سيري” كمساعد صوتي فقط كان بمثابة خطأ.

أشارت آبل إلى الاعتراف بهذا القصور من خلال التركيز بشكل أكبر على إمكانية “الكتابة إلى سيري” عند تقديم نظام الذكاء الاصطناعي “Apple Intelligence” العام الماضي. يعتبر هذا التحول محاولة لسد الفجوة مع المنافسين الذين يقدمون واجهات تفاعلية أكثر مرونة.

يقول هودجات: “عندما بدأنا في Dejima، كانت طريقة التفاعل ليست ذات أهمية قصوى. يمكنك التحدث أو الكتابة، الأمر يعتمد على مكانك وكيف تتفاعل.” يضيف أن التحدث إلى جهاز غير حي، مثل الهاتف، قد يشعر البعض بعدم الارتياح. ويشير إلى أن التحدث إلى السيارة قد يكون أسهل نسبيًا، ربما بسبب حركتها وأضوائها التي تبدو كعيون.

على الرغم من هذا الشعور بعدم الارتياح، من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي المساعدين الصوتيين على الأجهزة مثل الهواتف الذكية والأجهزة القابلة للارتداء والمكبرات الصوتية إلى 148.7 مليون مستخدم هذا العام، وفقًا لتوقعات شركة EMARKETER، وهي شركة شقيقة لـ Business Insider. وتشير التوقعات إلى أن “سيري” سيصل إلى حوالي 87.3 مليون مستخدم في عام 2025.

إدراكًا لضرورة التحديث، واجهت آبل صعوبات في تطوير “سيري” لمواكبة عصر الذكاء الاصطناعي. وقد أُجبرت الشركة على تأجيل التحديث المخطط لـ “سيري” في وقت سابق من هذا العام. وذكرت Bloomberg الشهر الماضي، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن آبل تقترب من إبرام صفقة مع Google للسماح لنموذج Gemini بتشغيل بعض ميزات “سيري”. يُعد نموذج Gemini من بين النماذج الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما قد يمثل دفعة كبيرة لقدرات “سيري”.

يقول هودجات إن صفقة مع Gemini ستكون “خطوة ذكية” لآبل، “لكن بشرط أن تلتزم بها”. ويشير إلى أن آبل “تغير رأيها باستمرار في هذا الأمر”، مما قد يعيق تحقيق تقدم حقيقي ومستدام في تطوير “سيري”. ويؤكد على أهمية الاستقرار في الرؤية والالتزام بالتطوير المستمر لضمان قدرة “سيري” على المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي المتنامي.

الآن، وبعد إعلان آبل عن شراكتها المحتملة مع Google، يتجه الأنظار إلى كيفية تنفيذ هذه الصفقة، وما إذا كانت ستؤدي إلى تحسين ملموس في أداء “سيري”. يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت آبل ستتمكن من اللحاق بالركب في سباق الذكاء الاصطناعي، وما إذا كان “سيري” سيشهد أخيرًا “تحول تشات جي بي تي” الذي طال انتظاره. من المتوقع أن تقوم آبل بالكشف عن تفاصيل هذه الشراكة في الأشهر القادمة.

شاركها.
Exit mobile version