في تطور يثير جدلاً واسعاً حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الانتخابات، تجاهل مستشار سياسي أمراً قضائياً صادرًا عن محكمة فدرالية، يتعلق بإرساله مكالمات آلية مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي تهدف إلى التضليل بشأن الانتخابات التمهيدية في ولاية نيو هامبشاير. القضية، التي تتصدر عناوين الأخبار، تلقي الضوء على التحديات القانونية والأخلاقية المتزايدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على العملية الديمقراطية. ويثير هذا الموقف تساؤلات حادة حول الذكاء الاصطناعي والانتخابات ودور التنظيم في حماية الناخبين.

تفاصيل القضية وتجاهل المستشار السياسي للأوامر القضائية

أمرت المحكمة الفيدرالية ستيف كرامر، وهو المستشار السياسي المعني، بدفع 22,500 دولار أمريكي لثلاثة ناخبين في نيو هامبشاير، بعد أن أرسل مكالمات آلية بصوت مُحاكٍ للرئيس السابق جو بايدن. المكالمات كانت تهدف إلى إقناع الناخبين بأن التصويت في الانتخابات التمهيدية كان عديم الجدوى، وسيمنعهم من التصويت في الانتخابات الرئاسية العامة في شهر نوفمبر.

على الرغم من أمر المحكمة، صرح كرامر صراحةً بأنه لن يدفع المبلغ المحكوم به، واصفاً الدعوى القضائية بأنها “حيلة دعائية” تهدف إلى إضاعة وقت المحكمة. كما رفض دفع غرامة قدرها 6 ملايين دولار فرضتها لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC).

حكم قضائي يمثل سابقة خطيرة

هذا التجاهل للأمر القضائي يأتي بعد سنوات من الجدل حول استخدام التكنولوجيا المضللة في الحملات الانتخابية. في العام الماضي، تمت تبرئة كرامر من تهم تتعلق بقمع الناخبين وانتحال صفة مرشح، لكن القاضي في القضية المدنية الحالية لم يكتفِ بإلزامه بالدفع للناخبين المتضررين، بل أصدر أمراً زجرياً يمنعه من تكرار هذا السلوك على المستوى الوطني.

كارين شورت، مديرة الشؤون القانونية والأبحاث في رابطة الناخبات، وصفت القرار بأنه “سابقة حاسمة ضد تسليح الذكاء الاصطناعي في الانتخابات”. منظمة “حرية التعبير للناس” أكدت أيضاً أنها ستدرس اتخاذ المزيد من الإجراءات القانونية إذا لم يلتزم كرامر بالحكم.

دوافع كرامر وتصاعد المخاوف من التضليل

اعترف كرامر بأنه تعمد إرسال هذه الرسالة المُضللة إلى آلاف الناخبين قبل الانتخابات التمهيدية للرئاسة، بهدف “إيقاظ” الجمهور بشأن المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي. وذكر أنه دفع لمبرمج من نيو أورليانز 150 دولاراً لإنشاء التسجيل الصوتي المُحاكٍ، بعد أن أثاره قلقه بشأن الانتشار المتزايد لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية دون وجود أي لوائح تنظيمية.

وقد شهد كرامر بأنّ لديه شعورًا بأنه حتى الانتخابات التمهيدية كانت عبارة عن استطلاع رأي عديم الأهمية، وبالتالي لا يمكن اعتبار ما قام به قمعاً للناخبين. ومع ذلك، لاقى هذا التبرير انتقادات واسعة، حيث يرى الكثيرون أن تضليل الناخبين بأي شكل من الأشكال هو أمر غير مقبول. كما أن القضية سلطت الضوء على الحاجة الملحة إلى وضع قوانين صارمة تنظم استخدام التكنولوجيا السياسية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.

رد فعل لجنة الاتصالات الفيدرالية وتأثير القضية على التنظيم

هذه القضية ليست بمفردها. فقد وافقت شركة Lingo Telecom، التي قامت بنقل المكالمات، على دفع مليون دولار في تسوية مع لجنة الاتصالات الفيدرالية في أغسطس 2024. على الرغم من ذلك، يبدو أن اللجنة تتجه نحو تخفيف اللوائح المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، بعد أن كانت تعمل في السابق على تطوير قواعد أكثر صرامة.

يزيد هذا التناقض من المخاوف، خاصةً مع استعداد الرئيس السابق دونالد ترامب للضغط على الولايات لوقف أي تنظيم للذكاء الاصطناعي. في حين يزعم ترامب وأنصاره أن التنظيم قد يثبط الإبداع، يحذر النقاد من أن السماح لشركات الذكاء الاصطناعي بالعمل دون رقابة كافية قد يؤدي إلى انتشار التضليل والتلاعب بالرأي العام.

تحرك الولايات المتحدة الموحدة لمواجهة خطر التضليل

في خطوة لافتة، أرسل المدعون العامون في 36 ولاية، بما في ذلك نيو هامبشاير، رسالة إلى الكونجرس تعبر عن معارضتهم لأي محاولة لاستباق القوانين الولائية التي تهدف إلى معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي. هذا يشير إلى إدراك متزايد لأهمية حماية العملية الديمقراطية من التدخلات الخبيثة التي قد تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

وبشكل عام، يشير هذا الصراع القانوني إلى أهمية وضع إطار تنظيمي واضح وقوي يحدد حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، ويضمن حماية حقوق الناخبين. إن مستقبل الانتخابات الديمقراطية قد يعتمد على مدى قدرتنا على مواجهة هذا التحدي الجديد بفعالية.

الخلاصة

قضية ستيف كرامر في نيو هامبشاير هي بمثابة ناقوس خطر يدق بقوة حول مخاطر التضليل التي يمكن أن يتسبب بها الذكاء الاصطناعي في الانتخابات. إن تجاهل كرامر للأمر القضائي، إلى جانب الجدل الدائر حول تنظيم هذه التكنولوجيا، يؤكد على الحاجة الماسة إلى قوانين واضحة وصارمة تحمي العملية الديمقراطية. من الضروري أن يواصل الكونجرس ولجان الانتخابات العمل معًا لوضع إطار عمل فعال يضمن أن الانتخابات النظيفة والنزيهة تظل حجر الزاوية في مجتمعنا. وهذا يتطلب وعيًا مستمرًا بالتهديدات الجديدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، واستعدادًا للتكيف مع هذه التهديدات من خلال قوانين ولوائح مناسبة.

شاركها.
Exit mobile version