شهد سوق العمل في قطاع التكنولوجيا تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، وأصبح قرار ترك وظيفة مستقرة في شركة كبرى مثل جوجل خيارًا يواجهه العديد من المهندسين والخبراء. يتناول هذا المقال قصة مهندس برمجيات سابق في جوجل، غريغور كونزيت، وكيف أدى الحلم ببدء مشروع خاص إلى استقالته من وظيفته المرموقة في وادي السيليكون، والعودة إلى لندن للمشاركة في برنامج تسريع الشركات الناشئة. هذا التحول يعكس اتجاهًا متزايدًا نحو ريادة الأعمال والمخاطرة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية، ويسلط الضوء على أهمية تقييم المسار المهني والأهداف الشخصية.
غريغور كونزيت، البالغ من العمر 27 عامًا، انتقل للعمل في مقر جوجل في ماونتن فيو عام 2024 بعد أن عمل سابقًا من لندن. كانت هذه خطوة طالما حلم بها، لكن بعد عام واحد فقط، قرر الاستقالة والانضمام إلى برنامج لتسريع الشركات الناشئة في لندن. يُظهر هذا القرار مدى تغير الأولويات لدى بعض العاملين في قطاع التكنولوجيا، حيث يفضلون المخاطرة ببدء مشاريعهم الخاصة على الاستمرار في وظائف آمنة ولكنها قد لا تحقق طموحاتهم الكاملة.
العمل في وادي السيليكون: تجربة فريدة من نوعها
انضم كونزيت إلى جوجل في عام 2022 كمهندس برمجيات في فريق Google Pixel Audio. كان يستمتع بعمله، لكن العمل عن بعد من لندن كان يمثل تحديًا بسبب اختلاف التوقيت. كانت الاستجابة للاستفسارات الفنية تستغرق وقتًا طويلاً، مما أثر على سير العمل.
بعد الانتقال إلى مقر جوجل في كاليفورنيا، وجد كونزيت أن الحياة في وادي السيليكون كانت مشابهة لما تصوره من الأفلام والبرامج التلفزيونية. وصف كاليفورنيا بأنها أجمل مكان زاره على الإطلاق، واستمتع بفرصة العمل والعيش في هذا المركز التكنولوجي العالمي.
على الرغم من الإيجابيات، لاحظ كونزيت أن البنية التحتية في وادي السيليكون لم تكن مثالية، وأن سرعة الإنترنت لم تكن دائمًا موثوقة. ومع ذلك، كان الجانب الأكثر إيجابية هو التفاعل المباشر مع زملائه والفرق الأخرى، مما أدى إلى تسريع عملية حل المشكلات واتخاذ القرارات.
الوصول إلى مرحلة التشبع الوظيفي
في الأشهر الأولى من عمله في مقر جوجل، تعلم كونزيت الكثير وحصل على مسؤوليات كبيرة. كانت لديه فرصة للعمل على أجزاء مهمة من النظام، والمشاركة في اجتماعات صنع القرار. لكنه بعد حوالي عام، شعر بأنه وصل إلى مرحلة التشبع الوظيفي، وأن فرص التعلم والتطور أصبحت محدودة.
بالإضافة إلى ذلك، كانت تأشيرته تحد من قدرته على العمل على مشاريع شخصية خارج نطاق عمله في جوجل. كان حلمه الحقيقي هو تأسيس شركته الخاصة، وهذا ما دفعه إلى البحث عن فرص أخرى.
قرار الاستقالة والمخاطرة بريادة الأعمال
تلقى كونزيت تشجيعًا من صديق مقرب شارك في برنامج تسريع الشركات الناشئة في لندن. تم قبوله في البرنامج، مما جعله أمام خيار صعب: البقاء في جوجل والاستمرار في مساره نحو الحصول على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، أو الاستقالة والانضمام إلى البرنامج لتحقيق حلمه في ريادة الأعمال.
كانت المخاطرة كبيرة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وسوق العمل المتراجع. لكن كونزيت كان واثقًا من قدراته التقنية وخبرته التي اكتسبها في جوجل، وكان يعتقد أنه قادر على العثور على وظيفة أخرى إذا لزم الأمر.
أدرك كونزيت أن البقاء في جوجل من أجل الهجرة سيؤدي إلى تأجيل تطوير مسيرته المهنية. لذلك، قرر أن الوقت قد حان للمخاطرة والسعي لتحقيق طموحاته. قدم استقالته من جوجل بعد أسبوعين من قبول انضمامه للبرنامج.
العودة إلى لندن وبدء مشروع Vestry.ai
انضم كونزيت إلى برنامج تسريع الشركات الناشئة في لندن، ويعمل حاليًا مع صديقه على مشروع Vestry.ai، وهو مشروع يهدف إلى حل مشكلة مراقبة الأنظمة المعقدة للأجهزة. تتمثل خطتهم في تطوير المشروع خلال البرنامج، والحصول على تمويل، ثم العودة إلى كاليفورنيا لتوسيع نطاق العمل.
يعتقد كونزيت أن كاليفورنيا هي المكان الأمثل لنمو الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. يرى أن وادي السيليكون يمثل مركزًا للابتكار والفرص، وأن التواجد هناك ضروري لتحقيق النجاح في هذا المجال.
حتى الآن، لم يكن لدى كونزيت الوقت الكافي للتفكير في ما إذا كان قد اتخذ القرار الصحيح. لكنه مقتنع بأنه في المكان الذي يجب أن يكون فيه، وأنه يسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهدافه. الاستقالة من وظيفة مرموقة ليست قرارًا سهلاً، ولكنها قد تكون ضرورية لتحقيق الطموحات الشخصية والمهنية.
مستقبل ريادة الأعمال في قطاع التكنولوجيا
من المتوقع أن يستمر الاتجاه نحو ريادة الأعمال والمخاطرة في قطاع التكنولوجيا. يشجع العديد من المهندسين والخبراء على تأسيس شركاتهم الخاصة، خاصة في المجالات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.
ومع ذلك، فإن ريادة الأعمال ليست خيارًا مناسبًا للجميع. يتطلب الأمر الكثير من العمل الجاد والتفاني والمثابرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المخاطر المالية والشخصية كبيرة.
في المستقبل القريب، من المرجح أن نشهد المزيد من حالات الاستقالة من الشركات الكبرى للانضمام إلى الشركات الناشئة أو تأسيس مشاريع جديدة. سيكون من المهم مراقبة التطورات في سوق العمل، وتقييم الفرص المتاحة، واتخاذ القرارات المناسبة بناءً على الأهداف الشخصية والمهنية. التحول الوظيفي أصبح أكثر شيوعًا في العصر الحديث، ويتطلب التخطيط الجيد والاستعداد للمخاطرة.
من المنتظر أن يشهد برنامج تسريع الشركات الناشئة في لندن تطورات كبيرة في الأشهر القادمة، وأن يتم الكشف عن المزيد من التفاصيل حول مشروع Vestry.ai. كما يجب متابعة التغيرات في قوانين الهجرة في الولايات المتحدة، وتأثيرها على المهندريين والخبراء الذين يرغبون في العمل في وادي السيليكون. سوق العمل التكنولوجي ديناميكي ومتغير باستمرار، ويتطلب المتابعة الدقيقة والتكيف السريع.

