في تطور مثير للجدل، بدأت مدينة إدمونتون الكندية اختبارًا حيويًا لتقنية التعرف على الوجه المثبتة على كاميرات الشرطة، مما يثير تساؤلات حول الخصوصية والأخلاقيات في استخدام هذه التكنولوجيا المتطورة. يهدف هذا المشروع التجريبي إلى تحديد ما إذا كانت هذه التقنية، التي طالما أثارت مخاوف بشأن التدخل في الحريات الشخصية، يمكن أن تجد مكانًا مشروعًا في عمل الشرطة في أمريكا الشمالية وخارجها. يراقب النظام حاليًا وجوه حوالي 7000 شخص مدرجين على قوائم المراقبة “عالية الخطورة”.

أكسون والتحول في موقفها من التعرف على الوجه

يعتبر هذا المشروع التجريبي تحولًا ملحوظًا بالنسبة لشركة Axon Enterprise, Inc.، الرائدة في تصنيع كاميرات الجسم التي تستخدمها الشرطة. ففي عام 2019، أعلنت أكسون علنًا عن مخاوفها الأخلاقية العميقة بشأن استخدام تقنية التعرف على الوجه من قبل جهات إنفاذ القانون، وقررت تعليق تطويرها ونشرها. لكن بعد مرور ست سنوات، يبدو أن الشركة قد غيرت موقفها، مما أثار ردود فعل قوية من الخبراء والمدافعين عن الحقوق المدنية.

لوكاس فريدمان، الرئيس السابق لمجلس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في أكسون، أعرب عن قلقه إزاء هذا التحول. صرح لوكالة أسوشيتد برس بأنه يشعر بالقلق من أن الشركة تتقدم في هذا المشروع دون نقاش عام كافٍ، أو اختبارات شاملة، أو فحص دقيق من قبل الخبراء للمخاطر المجتمعية المحتملة وتأثيرها على الخصوصية. وأكد على ضرورة وجود “إشارة واضحة إلى الفوائد” قبل استخدام هذه التقنيات التي تحمل “تكاليف ومخاطر حقيقية للغاية”.

مشروع إدمونتون: “بحث ميداني مبكر” أم خطوة نحو المراقبة الشاملة؟

يرد ريك سميث، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أكسون، على هذه الانتقادات مؤكدًا أن المشروع التجريبي في إدمونتون ليس إطلاقًا لمنتج جديد، بل هو “بحث ميداني في مرحلة مبكرة”. ويهدف هذا البحث إلى تقييم أداء التكنولوجيا في ظروف واقعية، وتحديد الضمانات اللازمة لضمان استخدامها بشكل مسؤول.

وكتب سميث في تدوينة: “من خلال الاختبار في ظروف العالم الحقيقي خارج الولايات المتحدة، يمكننا جمع رؤى مستقلة، وتعزيز أطر الرقابة، وتطبيق تلك الدروس المستفادة على التقييمات المستقبلية، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة”.

من جانبه، أوضح كيرت مارتن، القائم بأعمال المشرف على خدمة شرطة إدمونتون، أن الهدف من المشروع هو زيادة سلامة ضباط الدورية. سيتمكن النظام من اكتشاف الأفراد الذين صنفتهم السلطات على أنهم يشكلون خطرًا، وذلك بناءً على فئات مثل “عنيف أو اعتداء”، و”مسلح وخطير”، و”خطر الهروب”، و”مجرم شديد الخطورة”. حاليًا، تضم قائمة المراقبة 6341 شخصًا، بالإضافة إلى 724 شخصًا لديهم مذكرة اعتقال جنائية.

مخاوف بشأن الدقة والتحيز في تقنية التعرف على الوجه

تعتبر دقة تقنية التعرف على الوجه من أبرز المخاوف التي أثيرت حول هذا المشروع. فقد أظهرت دراسات سابقة أن هذه التكنولوجيا قد تكون عرضة للتحيز، مما يؤدي إلى نتائج غير دقيقة بناءً على العرق والجنس والعمر. كما أن دقة مطابقة الوجوه في مقاطع الفيديو الحية قد تكون أقل من دقتها عند التعامل مع صور الهويات أو لقطات الشرطة.

بالإضافة إلى ذلك، يثير استخدام هذه التقنية مخاوف بشأن الخصوصية والحريات المدنية. ففي حين أن العديد من المجتمعات في الولايات المتحدة رحبت بكاميرات الجسم كأداة للمساءلة، إلا أن فكرة التعرف على الأشخاص في الأماكن العامة في الوقت الفعلي لم تحظَ بشعبية واسعة. وقد ساهمت ردود الفعل العنيفة من المدافعين عن الحريات المدنية في دفع شركات مثل أكسون إلى تعليق مبيعات برامج التعرف على الوجه للشرطة مؤقتًا.

مواقف متضاربة حول تنظيم استخدام تقنية التعرف على الوجه

تختلف القوانين واللوائح المتعلقة باستخدام تقنية التعرف على الوجه بشكل كبير بين الدول والمناطق. فقد حظر الاتحاد الأوروبي استخدام هذه التكنولوجيا في مسح الوجوه العامة في الوقت الفعلي، باستثناء الحالات المتعلقة بجرائم خطيرة مثل الاختطاف والإرهاب.

في المقابل، بدأت السلطات في المملكة المتحدة في اختبار هذه التكنولوجيا في شوارع لندن قبل عقد من الزمن، واستخدمتها لاعتقال 1300 شخص في العامين الماضيين. وتدرس الحكومة حاليًا توسيع نطاق استخدامها في جميع أنحاء البلاد.

في كندا، فرضت حكومة ألبرتا في عام 2023 استخدام كاميرات الجسم لجميع وكالات الشرطة في المقاطعة، بهدف زيادة الشفافية وتحسين جودة الأدلة وتقليل الوقت اللازم لحل التحقيقات والشكاوى.

تفاصيل مشروع إدمونتون والخطوات التالية

لم يتم الكشف عن العديد من التفاصيل حول مشروع إدمونتون علنًا. وعلى الرغم من أن أكسون لا تصنع نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها للتعرف على الوجوه، إلا أنها رفضت تحديد البائع الخارجي الذي تستخدمه.

وأكدت شرطة إدمونتون أن المشروع التجريبي سيستمر حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول، وسيقتصر على ساعات النهار فقط. وأشار مارتن إلى أن الظروف الجوية الصعبة، مثل الإضاءة المنخفضة ودرجات الحرارة الباردة، قد تؤثر على دقة التكنولوجيا.

وذكر مارتن أن حوالي 50 ضابطًا يقومون بتجربة التكنولوجيا لن يعرفوا ما إذا كان برنامج التعرف على الوجه قد حدد شخصًا ما أم لا. وسيتم تحليل النتائج لاحقًا في مركز الشرطة. ومع ذلك، أوضح أن التكنولوجيا قد تساعد الشرطة في المستقبل على اكتشاف وجود شخص يشتبه في كونه خطيرًا في مكان قريب، مما يسمح لهم بطلب المساعدة.

مستقبل تقنية التعرف على الوجه في عمل الشرطة

يثير مشروع إدمونتون تساؤلات مهمة حول مستقبل تقنية التعرف على الوجه في عمل الشرطة. فمن ناحية، يمكن أن تساعد هذه التكنولوجيا في تحسين السلامة العامة وتسريع التحقيقات الجنائية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات خطيرة للخصوصية والحريات المدنية.

من الواضح أن هناك حاجة إلى نقاش عام شامل، ووضع قوانين ولوائح واضحة، وإجراء اختبارات علمية صارمة قبل نشر هذه التكنولوجيا على نطاق واسع. يجب أن تكون الشفافية والمساءلة هما الأساس في أي قرار يتعلق باستخدام تقنية التعرف على الوجه من قبل جهات إنفاذ القانون.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات المصنعة لهذه التكنولوجيا أن تواصل البحث والتطوير لتحسين دقتها وتقليل التحيز المحتمل. يجب أن تكون هذه الشركات على استعداد للتعاون مع الخبراء والمدافعين عن الحقوق المدنية لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل أخلاقي ومسؤول.

شاركها.
Exit mobile version