في ظل تزايد التوترات الجيوسياسية، يواصل الكونجرس الأمريكي اتخاذ خطوات متزايدة الصرامة تجاه الصين، حتى مع محاولة إدارة ترامب الحفاظ على هدنة هشة في الحرب التجارية. يركز مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، الذي يبلغ حجمه 3000 صفحة، على تقييد الاستثمارات الصينية في القطاعات الحساسة وتقليل اعتماد الولايات المتحدة على الشركات الصينية في مجال التكنولوجيا الحيوية، مما يعكس قلقًا عميقًا بشأن الأمن القومي والمنافسة الاقتصادية. هذا التحرك يمثل اختلافًا ملحوظًا في النهج مقارنة بالتركيز الأخير للبيت الأبيض على العلاقات الاقتصادية المتبادلة المنفعة مع بكين.
الكونجرس يشدد الخناق على الاستثمار الصيني
يهدف مشروع القانون إلى التدقيق في الاستثمارات الأمريكية في الصين، خاصة تلك التي قد تساهم في تطوير تقنيات تعزز القدرات العسكرية الصينية. ويشمل ذلك حظر استخدام الأموال الحكومية لشراء المعدات والخدمات من شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية المدرجة في القائمة السوداء، وهي خطوة تهدف إلى حماية البنية التحتية الأمريكية الحيوية والمعلومات الحساسة. هذا الإجراء يأتي في سياق مخاوف متزايدة بشأن التجسس الصناعي ونقل التكنولوجيا الحساسة إلى الصين.
التركيز على التكنولوجيا الحيوية والأمن القومي
تعتبر التكنولوجيا الحيوية من المجالات الرئيسية التي يركز عليها مشروع القانون. هناك قلق متزايد من أن الشركات الصينية قد تستخدم التقنيات الحيوية لأغراض عسكرية أو لتقويض الأمن القومي الأمريكي. على الرغم من أن النسخة الأصلية من مشروع القانون كانت تذكر شركات محددة، إلا أن النسخة الحالية تترك مهمة تجميع قائمة “شركات التكنولوجيا الحيوية محل الاهتمام” لمكتب الإدارة والميزانية، مما يوفر مرونة أكبر ويقلل من المخاوف القانونية المحتملة. يهدف هذا التعديل إلى تجنب عرقلة الأبحاث الطبية الحيوية مع الاستمرار في حماية المصالح الأمريكية.
دعم أمريكي متزايد لتايوان
بالإضافة إلى القيود على الاستثمار، يعزز مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الدعم الأمريكي لتايوان، الجزيرة ذاتية الحكم التي تطالب بها الصين وتعتزم ضمها بالقوة إذا لزم الأمر. يتضمن ذلك زيادة التمويل للتعاون الأمني مع تايوان إلى مليار دولار، مقارنة بـ 300 مليون دولار في العام الحالي، وإنشاء برنامج مشترك للطائرات بدون طيار والمضادة للطائرات بدون طيار. كما يدعم مشروع القانون محاولة تايوان للانضمام إلى صندوق النقد الدولي، مما سيوفر لها حماية مالية إضافية ضد الضغوط الصينية.
هذا الدعم القوي لتايوان يمثل رسالة واضحة لبكين بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن في مضيق تايوان. على الرغم من أن إدارة ترامب أعربت عن رغبتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع الصين، إلا أن الكونجرس يرسل إشارة مفادها أن الأمن القومي والمصالح الأمريكية تأتي في المقام الأول.
خلاف بين الكونجرس والإدارة حول التعامل مع الصين
يأتي هذا التحرك من الكونجرس في وقت تشهد فيه إدارة ترامب نهجًا أكثر تصالحية تجاه الصين. فقد أسقطت الإدارة لغة كانت تعتبر الصين تهديدًا استراتيجيًا، وأبدت اهتمامًا أكبر بعلاقة اقتصادية متبادلة المنفعة. وقد سمح البيت الأبيض مؤخرًا لشركة Nvidia ببيع شرائح كمبيوتر متطورة إلى الصين، وهو ما أثار قلقًا بين المتشددين الذين يخشون أن ذلك سيعزز القدرات العسكرية الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويرى النائب راجا كريشنامورثي أن هذه الإجراءات تعكس “نهجًا استراتيجيًا جادًا لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني”، وهو نهج “يتناقض بشكل صارخ مع تصرفات البيت الأبيض الأخيرة”. ويؤكد كريج سينجلتون، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن البنود المتعلقة بالصين في مشروع قانون الدفاع توضح أن الكابيتول هيل يتبنى “منافسة حادة وطويلة الأمد مع بكين”، بغض النظر عن لهجة البيت الأبيض.
رد فعل الصين على مشروع القانون
أعربت السفارة الصينية في واشنطن عن قلقها العميق من مشروع القانون، واصفة إياه بأنه “إثارة لرواية التهديد الصيني” و”إساءة استخدام لسلطة الدولة لملاحقة التنمية الاقتصادية الصينية”. وحذرت السفارة من أن مشروع القانون سيؤدي إلى تقويض التبادلات التجارية والاقتصادية والشعبية بين البلدين، ويعرقل جهود استقرار العلاقات الثنائية. وقالت السفارة إن الصين “تأسف بشدة وتعارض ذلك بشدة”.
مستقبل السياسة الأمريكية تجاه الصين
إذا تم إقرار مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، فإنه سيضع أساسًا قويًا لسياسة أمريكية أكثر تنافسية تجاه الصين، خاصة في مجالات رأس المال والتكنولوجيا الحيوية. ويقول المراقبون إن هذه السياسة ستكون من الصعب على الرؤساء المستقبليين التراجع عنها.
لقد عمل صناع السياسات والمشرعون الأمريكيون لسنوات على إقرار تشريعات تهدف إلى الحد من الاستثمارات في الصين في المجالات التكنولوجية المتقدمة. على الرغم من معارضة بعض الشركات الكبرى، مثل Tesla، لمثل هذه الإجراءات في الماضي، يبدو أن هناك زخمًا متزايدًا في الكونجرس لدعم هذه القيود.
الخلاصة:
يمثل مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني خطوة مهمة نحو تبني سياسة أكثر صرامة تجاه الصين. من خلال تقييد الاستثمارات الصينية في القطاعات الحساسة ودعم تايوان، يهدف الكونجرس إلى حماية الأمن القومي الأمريكي والمصالح الاقتصادية. على الرغم من الخلاف مع إدارة ترامب، يبدو أن هذا النهج يحظى بدعم واسع النطاق في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مما يشير إلى أنه قد يستمر في تشكيل السياسة الأمريكية تجاه الصين في المستقبل المنظور. هذا التطور يستدعي متابعة دقيقة وتحليلًا معمقًا لفهم تأثيره على العلاقات الدولية والمشهد الجيوسياسي العالمي.

