في تطور لافت يثير جدلاً واسعاً حول حرية التعبير والخصوصية، رفعت شركة “آبل” دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وذلك بعد اتهامات من المدعي العام الأمريكي السابق، بام بوندي، بأن تطبيقاً على نظام iOS يهدد عملاء الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE). يركز هذا النزاع على تطبيق ICEBlock، والذي يتيح للمستخدمين الإبلاغ عن مواقع تواجد وكلاء الهجرة وتتبع عملياتهم.
دعوى “آبل” ضد إدارة ترامب: دفاعاً عن حرية التعبير
أعلنت “آبل” عن رفع الدعوى القضائية يوم الاثنين، مدعية أن المدعي العام بوندي أساءت استخدام سلطتها الحكومية للضغط على الشركة من أجل إزالة تطبيق ICEBlock وتطبيقات مماثلة من متجر التطبيقات الخاص بها (App Store). تزعم “آبل” أن هذا الإجراء يمثل انتهاكاً صريحاً للتعديل الأول من الدستور الأمريكي، والذي يحمي حرية التعبير.
وأضافت الشركة في بيانها أن طلب بوندي بإزالة التطبيق جاء بناءً على ادعائها بأنه يعرض ضباط الهجرة والجمارك للخطر، من خلال تمكين المستخدمين من تتبع نشاطهم في المناطق السكنية. لكن دعاة الحقوق المدنية يرون أن التطبيق يخدم غرضاً مشروعاً في مساعدة المجتمعات المهمشة على حماية نفسها من الملاحقات الأمنية.
من هو مبتكر تطبيق ICEBlock وما هي قضيته؟
جوشوا آرون، مطور تطبيق ICEBlock، هو أيضاً طرف في الدعوى القضائية. يطالب آرون بشكل أساسي بأن تصدر المحكمة حكماً يقر بأن التطبيق يمثل شكلاً من أشكال التعبير المحمي بموجب الدستور الأمريكي، وأن الحكومة لا يمكنها إجبار “آبل” أو غيرها من الشركات على منعه. يرى آرون أن التطبيق لا يختلف عن تطبيقات أخرى متاحة، مثل تطبيقات تتبع حركة المرور والأمن، والتي تعتمد على معلومات مقدمة من المستخدمين.
علاوة على ذلك، يخشى آرون من تعرضه وعائلته للمضايقات والتهديدات من قبل مسؤولين حكوميين. وتطلب الدعوى القضائية حماية آرون من أي ملاحقة قضائية أو تحقيق جنائي بناءً على دوره في تطوير التطبيق. يقول آرون أن الحكومة تهدف إلى “تخويفه” وإرسال رسالة إلى المطورين الآخرين مفادها أنهم قد يواجهون عواقب وخيمة إذا قاموا بإنشاء تطبيقات تنتقد سياسات الهجرة.
التهديدات والتحقيقات المحتملة
حسبما ورد في الدعوى، فإن المدعي العام بوندي، ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، والقائم بأعمال مدير إدارة الهجرة والجمارك تود إم ليونز، و”قيصر الحدود” في البيت الأبيض توم هومان، هددوا بالتحقيق جنائياً ومقاضاة آرون بسبب تطويره تطبيق ICEBlock. ويعتبر آرون هذه التهديدات غير قانونية وتهدف إلى إسكات الانتقادات.
موقف وزارة العدل وشركات التكنولوجيا الأخرى
وزارة العدل الأمريكية لم تصدر أي تعليق رسمي على الدعوى القضائية، بخلاف التصريحات السابقة التي أدلت بها بوندي حول التطبيق. وتأتي هذه الصمت في الوقت الذي تخوض فيه الإدارة الحالية معركة قانونية مع “آبل” بشأن قضايا أخرى تتعلق بالخصوصية والأمن.
بالإضافة إلى “آبل”، قامت شركة “جوجل” أيضاً بإزالة بعض تطبيقات تتبع ICE من متجر التطبيقات الخاص بها في أكتوبر. ومع ذلك، لم يكن تطبيق ICEBlock متاحاً على نظام Android، مما يجعله حالة فريدة مرتبطة بشكل مباشر بضغط الحكومة على “آبل”.
ردود الفعل والانتقادات
أثارت هذه القضية ردود فعل متباينة من مختلف الجهات. فقد أشاد أنصار حقوق المهاجرين بالتطبيق باعتباره أداة مفيدة لمساعدة المجتمعات الهامة على حماية نفسها من المداهمات والاعتقالات المفاجئة. وفي المقابل، انتقد مسؤولون حكوميون التطبيق، مدعين أنه يعرض ضباط الهجرة للخطر ويوفر معلومات للمجرمين.
وقد قارن آرون بين أساليب ترامب في إنفاذ قوانين الهجرة وقوات الشرطة السرية النازية “الجستابو”، وهو تصريح أثار جدلاً واسعاً، على الرغم من أن الدعوى القضائية نفسها لم تتبنَّ هذا التشبيه. الأكثر أهمية، وفقاً لمدافعي الحريات المدنية، هو أن الجهود المبذولة لإزالة التطبيق تشبه الإجراءات التي تتخذها الحكومات الاستبدادية لقمع حرية التعبير.
أهمية تطبيق ICEBlock في سياق أوسع
تكمن أهمية تطبيق ICEBlock في قدرته على تمكين الأفراد والمجتمعات من مراقبة أنشطة وكالات إنفاذ القانون. في عالم يتزايد فيه القلق بشأن المراقبة الحكومية والخصوصية، يوفر التطبيق منصة للمواطنين للإبلاغ عن حوادث سوء السلوك أو الانتهاكات المحتملة.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه القضية تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها شركات التكنولوجيا في الموازنة بين حماية حرية التعبير والتعاون مع سلطات إنفاذ القانون. وإن صدور حكم لصالح “آبل” في هذه القضية يمكن أن يضع سابقة مهمة تضمن حماية التعبير السياسي على الإنترنت وتمنع الحكومة من إسكات الانتقادات. هذا، بالإضافة إلى حماية آمنة للمطورين من التهديد والمضايقة.
في الختام، فإن دعوى “آبل” ضد إدارة ترامب بشأن تطبيق ICEBlock هي قضية معقدة ذات آثار بعيدة المدى على مستقبل حرية التعبير والخصوصية في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه القضية إلى نقاش عام واسع حول حدود سلطة الحكومة وحقوق الأفراد في المراقبة والمحاسبة.

