أصبح تحقيق التوازن بين العمل والحياة هدفًا يسعى إليه الكثيرون، لكن مفهوم هذا التوازن قد يكون خادعًا. بدلًا من ذلك، يقترح قادة الأعمال الناجحون، مثل هيرلي فينكلستين رئيس شركة Shopify، أن السعي نحو “الانسجام” بين جوانب الحياة المختلفة هو الأنسب. وقد أثار هذا الطرح نقاشات واسعة حول كيفية إدارة الوقت والطاقة في بيئة العمل المتطلبة، خاصة مع تزايد الضغوط والتوقعات.

فينكلستين، في حوار له على بودكاست “Aspire” مع إيما جريدي، المؤسِّسة المشاركة لـ Skims، وصف مفهوم التوازن بين العمل والحياة بأنه “مفهوم خاطئ”. وأشار إلى أن الحياة تتطلب مرونة، ففي بعض الأحيان قد يحتاج المرء للعمل في عطلة نهاية الأسبوع، بينما في أوقات أخرى يمكنه أخذ إجازة قصيرة في منتصف الأسبوع، مضيفًا أن ذلك هو مقياس الانسجام بالنسبة له.

الانسجام بين العمل والحياة: رؤية جديدة

لم يقتصر هذا الرأي على فينكلستين وحده، بل يشاركه فيه العديد من القادة البارزين. ساتيا نادلا، الرئيس التنفيذي لشركة Microsoft، أعرب عن رغبته في “الانسجام” بين اهتماماته الشخصية وعمله، مما يعكس فهمًا مشتركًا بأن الحياة لا يمكن تقسيمها إلى خانات منفصلة. ويعتبر هذا التحول في الفكر أمرًا مهمًا في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة وتزايد أهمية الصحة النفسية للعاملين.

وافترض فينكلستين أن القدرة على تحقيق التوازن أو الانسجام تتغير أيضًا بتغير مراحل حياة الفرد. ففترة العزوبية قد تسمح بالتركيز الكامل على العمل لساعات طويلة، بينما تتطلب الحياة الزوجية والأبوة تخصيص وقت وجهد أكبر للأسرة.

وفي المقابل، يرى مارك كوبان أن التوازن غير موجود للأشخاص الطموحين للغاية، مشيرًا إلى أن المنافسين لن يترددوا في العمل لساعات أطول. كما وصف جيف بيزوس التوازن بين العمل والحياة بأنه “عبارة مُعيقة”، مؤكدًا أنه دورة مستمرة وليست نقطة ثابتة.

هذه التصريحات تأتي في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا في ثقافة العمل المكثف وزيادة الرقابة على أداء الموظفين. ووفقًا لتقارير حديثة، يواجه العديد من العاملين ضغوطًا للالتزام بساعات عمل محددة وتقديم تقارير مفصلة عن أنشطتهم، وقد يواجهون إجراءات تأديبية في حال عدم الامتثال.

كفاءة الوقت وأداء العمل

أكد فينكلستين على أن العمل لساعات طويلة ليس ضروريًا لتحقيق النجاح. وأوضح أن هناك العديد من الأشخاص الذين يعملون 40 ساعة في الأسبوع ويحققون نتائج ممتازة، وذلك بفضل كفاءتهم في إدارة الوقت وتحديد الأولويات.

ويشير خبراء إدارة الوقت إلى أن التركيز على النتائج بدلًا من عدد الساعات يقود إلى تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية. ومن بين الاستراتيجيات الفعالة في هذا الصدد: تحديد المهام الأكثر أهمية، وتجنب المشتتات، وتفويض المسؤوليات، وأخذ فترات راحة منتظمة.

تعتبر فكرة الانسجام بين العمل والحياة، أو حتى مجرد إعادة التفكير في مفهوم التوازن، ذات أهمية متزايدة في عصرنا الحالي. إن إدراك أن احتياجات الفرد تتغير مع مرور الوقت، وأن النجاح لا يقاس بعدد الساعات التي يقضيها في العمل، يمكن أن يساعد في بناء حياة مهنية وشخصية أكثر رضا وإشباعًا. الانسجام بين العمل والحياة هو هدف واقعي وقابل للتحقيق، ولكنه يتطلب وعيًا ذاتيًا وتخطيطًا دقيقًا.

الآن، تعد مناقشة هذا الموضوع جزءاً من حركة أكبر تجاه أولويات الموارد البشرية الجديدة، وتسعى الشركات بشكل متزايد إلى استقطاب الموظفين والاحتفاظ بهم من خلال تقديم ترتيبات عمل مرنة وبرامج تعزز رفاهية الموظفين. سيكون من المثير للاهتمام مراقبة ما إذا كانت هذه الأفكار ستؤدي إلى تغييرات كبيرة في ثقافة العمل في المستقبل القريب.

شاركها.
Exit mobile version