تواجه شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، عامًا حاسمًا مليئًا بالتحديات والتحولات الاستراتيجية، مع تركيز مكثف على الذكاء الاصطناعي (AI). وقد أعلن الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج عن ضرورة “الاستعداد” لمواجهة عام “مكثف”، وهو ما تجسد في إعادة هيكلة واسعة النطاق، وإعادة تخصيص الموارد، واستثمارات بمليارات الدولارات في سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي مع شركات مثل OpenAI وجوجل. هذه التحولات تهدف إلى ترسيخ مكانة ميتا في عصر جديد من التكنولوجيا، ولكنها تأتي مصحوبة بتوترات داخلية وتساؤلات حول الاستدامة المالية.
تأتي هذه الخطوات في الوقت الذي تعيد فيه شركات التكنولوجيا الكبرى تقييم استراتيجياتها، وتقليل التكاليف، وتشديد النبرة مع الموظفين، مع الرهان على أن الذكاء الاصطناعي سيحدد الشركات الرائدة في العقد القادم. تسعى ميتا إلى تحقيق التفوق من خلال التحرك بسرعة أكبر، ولكن هذا النهج يثير قلق المستثمرين بشأن التكاليف الباهظة والنتائج غير المؤكدة.
إعادة الهيكلة الشاملة للذكاء الاصطناعي في ميتا
في يونيو الماضي، استثمرت ميتا 14 مليار دولار في شركة Scale AI المتخصصة في تدريب الذكاء الاصطناعي، وعينت مؤسسها، ألكسندر وانغ، البالغ من العمر 28 عامًا، رئيسًا للذكاء الاصطناعي. بعد ذلك بشهرين، قامت الشركة بإعادة تسمية فريقها المعني بجهود الذكاء الاصطناعي إلى “مختبرات ميتا للذكاء الفائق” (MSL). تهدف هذه الخطوات إلى تسريع وتيرة الابتكار وتعزيز قدرات ميتا في مجال الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، واجهت ميتا انتقادات من بعض الموظفين السابقين الذين أشاروا إلى أن الشركة تفتقر إلى استراتيجية واضحة في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد ذكرت جوينا تشانغ، وهي موظفة سابقة في MSL، في منشور على لينكدإن في نوفمبر أن “لا أحد يعرف حقًا ما الذي يفعله الآخرون” خلال النصف الأول من العام في MSL. وأضافت أن هناك “اجتماعات لا نهاية لها” لم تسفر عن “قرارات فعلية”. كما كتب تيجمن بلانكفورت، الباحث السابق في ميتا، في منشور على Substack في يوليو أن ميتا لديها “رؤية متذبذبة” يصعب على فرق العمل الالتفاف حولها بحماس.
لجذب أفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي من شركات منافسة مثل OpenAI وDeepMind التابعة لجوجل، بدأت ميتا في تقديم حزم تعويضات ضخمة. وقد أدى ذلك إلى خلافات بين “الحرس القديم” والموظفين الجدد، حيث حصل الوافدون الجدد على تعويضات أعلى بكثير من تلك التي يحصل عليها الموظفون الحاليون. كما أدى ذلك إلى منافسة صامتة بين الفرق المختلفة لإثبات قيمة أفكارها في مجال الذكاء الاصطناعي، وفقًا لشهادات اثنين من موظفي MSL.
التوترات الداخلية وتدفق المعلومات
في أغسطس، قامت ميتا بإعادة هيكلة رئيسية رابعة في ستة أشهر لتبسيط جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تم تقسيم MSL إلى أربعة فرق: مختبر TBD (اختصارًا لـ “سيتم تحديده”)، وفريق منتجات مسؤول عن مساعد ميتا للذكاء الاصطناعي، وفريق بنية تحتية، ومختبر FAIR (Fundamental AI Research) للبحث الأساسي في مجال الذكاء الاصطناعي.
بعد هذه التغييرات، لم يكن من الواضح من يمتلك أي مشروع، وتم إعادة تعيين الأشخاص بين الفرق، وفقًا لشهادات اثنين من موظفي MSL. وأضاف أحدهم أن تدفق المعلومات بين TBD وMSL لم يكن دائمًا سلسًا. في المقابل، قلل متحدث باسم ميتا من أهمية هذه التوترات، واصفًا التقارير السابقة حول إعادة هيكلة الذكاء الاصطناعي بأنها “نقد ذاتي”.
شهدت الأشهر الأخيرة مغادرة ما لا يقل عن ثمانية من موظفي ميتا في مجال الذكاء الاصطناعي، بمن فيهم الباحثون والمهندسون وقائد منتج رفيع المستوى. وأوضحت ميتا أن معظم هؤلاء الموظفين عملوا في الشركة لسنوات عديدة، وأن بعض الاستقالات أمر طبيعي في مؤسسة بهذا الحجم.
تقييم الأداء وتأثيره على الموظفين
جاءت تسريحات MSL كجزء من جهد أوسع لشركة ميتا لتحسين الكفاءة التشغيلية هذا العام، من خلال تقليل عدد طبقات الإدارة وتنفيذ عملية تقييم أداء أكثر صرامة. أعلن زوكربيرج في يناير عن عزمه “رفع مستوى الأداء” وتسريح حوالي 5٪ من “الموظفين ذوي الأداء الضعيف”. وقامت الشركة بتسريح حوالي 3600 موظف في فبراير من إجمالي قوتها العاملة البالغة 78450 موظفًا.
في مايو، وجهت ميتا المديرين إلى وضع نسبة أعلى من الموظفين في الفئة الأدنى من تقييمات الأداء. على سبيل المثال، بالنسبة للفرق التي تضم 150 موظفًا أو أكثر، يجب تصنيف 15٪ إلى 20٪ من الموظفين في فئة “أقل من المتوقع”، مقارنة بنسبة 12٪ إلى 15٪ في العام السابق.
أفاد العديد من الموظفين أن هذا النظام المعدل خلق بيئة عمل مضغوطة وشجع على المنافسة الشديدة بين الموظفين. وصف المديرون والموظفون تحولًا نحو المشاريع قصيرة الأجل، حيث سعت الفرق إلى حماية نفسها من الحصول على تقييمات أداء منخفضة.
أشارت بعض التقارير إلى أن المديرين قاموا بشكل استراتيجي بترك بعض الوظائف شاغرة أو توظيف موظفين جدد بهدف وضعهم في الفئة الأدنى من تقييمات الأداء. ومع ذلك، تشير ميتا إلى أن معنويات الموظفين تحسنت في النصف الثاني من العام، حيث أظهر استطلاع داخلي حديث ارتفاعًا في التفاؤل والفخر والثقة في القيادة.
في الختام، تواجه ميتا تحديات كبيرة في سعيها للسيطرة على مجال الذكاء الاصطناعي. من المتوقع أن تستمر الشركة في الاستثمار بكثافة في هذا المجال، ولكنها تحتاج أيضًا إلى إثبات قدرتها على تحقيق عائد استثماري ملموس. سيكون من المهم مراقبة كيفية تطور استراتيجية ميتا في مجال الذكاء الاصطناعي، وكيف ستؤثر هذه التغييرات على معنويات الموظفين وأداء الشركة المالي في الأشهر والسنوات القادمة.

