يشهد قطاع التكنولوجيا تحولات جذرية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، حيث يرى الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديللا، أن الذكاء الاصطناعي يمثل تهديدًا وجوديًا وفرصة تاريخية في آن واحد، بالإضافة إلى كونه فرصة لتعزيز إرثه القيادي في الشركة. وتأتي هذه الرؤية مصحوبة بتغييرات تنظيمية واسعة النطاق تهدف إلى تسريع وتيرة الابتكار وتكريس الموارد بشكل كامل لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وتشمل هذه التحولات تغييرات في المناصب التنفيذية العليا، وتوجيهات للفرق للعمل بوتيرة أسرع وبكفاءة أكبر، وكل ذلك يهدف إلى ترسيخ سلطة القيادات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الطريقة التي تبني بها مايكروسوفت وتمول منتجاتها. وتأتي هذه الخطوات في وقت يتسارع فيه التنافس بين شركات التكنولوجيا الكبرى في مجال تطوير ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

نظرة ناديللا التقنية الجديدة للذكاء الاصطناعي

وفقًا لمستندات داخلية لشركة مايكروسوفت، ومقابلات مع قادة ومديرين وموظفين في الشركة، فإن ناديللا يولي اهتمامًا شخصيًا ومهنيًا كبيرًا لهذا التحول. وقد قام ناديللا بتعيين رئيس تنفيذي جديد للقطاع التجاري في مايكروسوفت بهدف تحرير وقته للتركيز على الجوانب التقنية اللازمة لتحقيق طموحاته في مجال الذكاء الاصطناعي. ويعكس هذا التغيير إدراكًا متزايدًا لأهمية القيادة التقنية القوية في هذا المجال.

بالإضافة إلى ذلك، أطلق ناديللا سلسلة اجتماعات أسبوعية بعنوان “مسّرع الذكاء الاصطناعي” وقناة مخصصة على برنامج Teams بهدف تسريع وتيرة العمل في مجال الذكاء الاصطناعي وتشجيع تبادل الأفكار بين مختلف فرق الشركة. وتتميز هذه الاجتماعات بمشاركة الموظفين التقنيين من مختلف المستويات، مع التركيز على توليد الأفكار من القاعدة بدلًا من الاعتماد على التوجيهات من الأعلى.

وتشير التقارير إلى أن هناك تغييرات تنفيذية كبرى أخرى قيد الدراسة. فقد ذكر ثلاثة مسؤولين تنفيذيين في مايكروسوفت لمصادر إعلامية أن راجيش جا، المسؤول عن منتجات Office و Windows، يفكر في التقاعد. وهناك أيضًا تكهنات حول إمكانية تقاعد تشارلي بيل، المسؤول عن الأمن السيبراني في مايكروسوفت. ومع ذلك، أكد متحدث باسم مايكروسوفت أنه لا يتوقع أي تغييرات وشيكة في الفريق القيادي للشركة.

صعود ألتوف

في خطوة تهدف إلى تمكين ناديللا والقيادات الهندسية من التركيز بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي، قامت مايكروسوفت بترقية جودسون ألتوف، رئيس المبيعات، إلى منصب الرئيس التنفيذي للقطاع التجاري في الشركة. ويأتي هذا التغيير في إطار ما وصفته مايكروسوفت بأنه “تحول زلزالي في منصة الذكاء الاصطناعي”.

وقد عبّر ناديللا عن رؤيته الجديدة للشركة، مشيرًا إلى أنها في “المراحل المتوسطة” من تطوير الذكاء الاصطناعي، وأن لديه النية لإكمال هذا التحول. ويؤكد على أهمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تطوير البنية التحتية للبيانات، وهندسة الأنظمة، والعلوم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والابتكار في المنتجات.

ويقول مسؤولون تنفيذيون إن هذه الخطوة تمنح ناديللا “نطاقًا أوسع من المساحة” لقيادة الشركة في تبني الذكاء الاصطناعي. ويضيفون أن ناديللا يشارك بنشاط في اجتماعات وورش عمل تهدف إلى تعزيز فهم الشركة للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.

تعليمات جديدة للقيادات

أصدر ناديللا مؤخرًا تعليمات جديدة للقيادات التنفيذية عبر قناة Teams المخصصة لنائبي الرئيس في مايكروسوفت. وأكد ناديللا أن الشركة تقف على مفترق طرق، وأنها بحاجة إلى إعادة التفكير في نموذج أعمالها بالكامل. ويعتبر هذا التحول في الاستراتيجية بمثابة استجابة للتغيرات السريعة في سوق التكنولوجيا.

وشدد ناديللا على ضرورة أن يعمل جميع القادة التنفيذيين كـ “مساهمين فرديين” في مؤسساتهم، وأن يركزوا على التعلم المستمر والتكيف مع التغيرات. واستشهد ناديللا بأمثلة من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أنها تعمل بوتيرة أسرع وبمرونة أكبر.

وظيفة الإنتاج، مُفسّرة

أشارت آشا شارما، رئيسة منتجات CoreAI في مايكروسوفت، إلى أن الشركة قد قامت بتحولات جذرية في عملياتها خلال فترة قصيرة. وأوضحت أن مفهوم “وظيفة الإنتاج” الجديد الذي يتبعه ناديللا يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتغيير الطريقة التي تخلق بها الشركة وتبني وتقدم منتجاتها وخدماتها. ويعتبر هذا المفهوم أساسيًا لتحقيق الكفاءة والابتكار في الشركة.

وأضافت شارما أن الذكاء الاصطناعي يغير العلاقة بين المدخلات والمخرجات في عملية تطوير البرمجيات. ففي الماضي، كان توسيع نطاق الإنتاج يتطلب زيادة الموارد البشرية والمالية. ولكن مع الذكاء الاصطناعي، يمكن تحقيق زيادة كبيرة في الإنتاجية دون زيادة مماثلة في التكاليف. ويتيح ذلك للفرق التركيز على الجوانب الأكثر أهمية في عملية التطوير، مثل اتخاذ القرارات وحل المشكلات.

ومع كل هذه التغييرات، من المتوقع أن تشهد مايكروسوفت المزيد من التطورات في هيكلها القيادي. ويراقب المحللون عن كثب مستقبل راجيش جا، وإمكانية تولي ريان روسلانسكي، الرئيس التنفيذي لـ LinkedIn، مهامًا إضافية في الشركة. ويعتبر مستقبل مايكروسوفت في مجال الذكاء الاصطناعي، وقدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة في هذا المجال، من الأمور التي تستحق المتابعة في الأشهر والسنوات القادمة.

شاركها.
Exit mobile version