لا يزال الجدل محتدماً حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، حيث يرى البعض أن عصر التوسع الهائل قد انتهى، بينما يعتقد آخرون أنه لا يزال هناك مجال للنمو. وقد أثار هذا النقاش تصريحات حديثة من شخصيات بارزة في المجال، بما في ذلك إيليا سوتسكيفر، المؤسس المشارك لشركة OpenAI، وجيفري هينتون، المعروف بـ “عرّاب الذكاء الاصطناعي”. التركيز الآن يتجه نحو البحث والتطوير بدلاً من مجرد زيادة حجم النماذج، وهو ما قد يعيد تشكيل مستقبل توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي.
أعرب هينتون مؤخرًا عن عدم اقتناعه بأن التوسع هو الحل الوحيد، مشيرًا إلى أن زيادة حجم النماذج لا تضمن بالضرورة تحسينات كبيرة في الأداء. جاءت تصريحاته ردًا على تصريحات سوتسكيفر التي تشير إلى أن زخم تطوير الذكاء الاصطناعي يعود الآن إلى البحث العلمي، بعد فترة طويلة من التركيز على زيادة القدرات الحاسوبية والبيانات. يؤكد سوتسكيفر أن مجرد مضاعفة القدرات الحاسوبية لا يعني بالضرورة تحولاً جذرياً في قدرات الذكاء الاصطناعي.
هل انتهى عصر التوسع في الذكاء الاصطناعي؟
لطالما كان التوسع هو المحرك الرئيسي للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تعتمد الشركات الكبرى على زيادة الموارد الحاسوبية والبيانات لتحسين أداء نماذجها. ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذه الاستراتيجية قد وصلت إلى نقطة تناقص العائدات، وأن هناك حاجة إلى طرق جديدة لتحقيق تقدم حقيقي. يشير هذا التحول إلى أن مجرد إضافة المزيد من البيانات أو زيادة قوة المعالجة قد لا يكون كافيًا لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام (AGI).
أشار هينتون إلى أن الحاجة إلى البيانات ستظل قائمة، لكنه توقع أن تبدأ نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة في توليد بياناتها الخاصة، على غرار ما فعلته Google DeepMind مع برنامج AlphaGo في لعبة Go. من خلال التفكير والتحقق من اتساق معتقداتها، يمكن للنماذج اللغوية أن تولد كميات كبيرة من البيانات الجديدة، مما يقلل الاعتماد على مصادر البيانات الخارجية.
تحديات التوسع
بالإضافة إلى مسألة العائدات المتناقصة، يواجه التوسع تحديات أخرى، مثل محدودية البيانات عالية الجودة. كما أن تكلفة الحصول على المزيد من القدرات الحاسوبية والبيانات يمكن أن تكون باهظة، مما يجعلها غير متاحة للعديد من الشركات والمؤسسات البحثية. هذه التحديات تدفع نحو استكشاف طرق أكثر كفاءة وابتكارًا لتطوير الذكاء الاصطناعي.
ألكسندر وانغ، رئيس قسم الذكاء الفائق في Meta، وصف التوسع بأنه “أكبر سؤال في الصناعة” في عام 2024. وبالمثل، تحدى يان لوكون، الذي عمل مع هينتون في أبحاث الذكاء الاصطناعي الرائدة، مدى فعالية استراتيجية التوسع. ويرى لوكون أن مجرد زيادة البيانات وقوة الحوسبة لا يضمن بالضرورة ذكاءً أكبر.
في المقابل، يرى ديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لشركة Google DeepMind، أن قوانين التوسع يمكن أن تفتح الطريق في النهاية نحو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام، وهو الهدف الأسمى في هذا المجال. ويعتقد أن التوسع المستمر في الأنظمة الحالية، إلى أقصى حد ممكن، سيكون مكونًا أساسيًا في أي نظام ذكاء اصطناعي عام مستقبلي، بل وقد يكون هو النظام بأكمله.
يُعتبر التوسع جذابًا للشركات لأنه يمثل طريقة منخفضة المخاطر للاستثمار في تطوير الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن التركيز المتزايد على البحث والتطوير قد يؤدي إلى اكتشافات أكثر جوهرية وابتكارًا، حتى لو كانت هذه الاكتشافات تتطلب وقتًا وجهدًا أكبر لتحقيقها. تعلم الآلة و تطوير الخوارزميات الجديدة يمثلان اتجاهًا واعدًا.
يشير هذا النقاش إلى تحول محتمل في استراتيجيات تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث يتجه التركيز من مجرد زيادة الحجم إلى تحسين الكفاءة والابتكار. قد يؤدي هذا التحول إلى ظهور نماذج ذكاء اصطناعي أكثر قوة ومرونة، قادرة على حل المشكلات المعقدة بطرق جديدة ومبتكرة. الشبكات العصبونية و تطويرها يمثل جزءًا أساسيًا من هذا التحول.
الخطوة التالية المتوقعة هي زيادة الاستثمار في البحث الأساسي في مجال الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تطوير خوارزميات جديدة وتقنيات تعلم أكثر كفاءة. من المهم مراقبة التقدم المحرز في هذا المجال، بالإضافة إلى التطورات في مجال الأجهزة الحاسوبية، حيث يمكن أن تلعب التطورات في هذا المجال دورًا حاسمًا في تحقيق الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي. من غير الواضح ما إذا كانت استراتيجيات البحث والتطوير الجديدة ستؤدي إلى نتائج ملموسة، أو ما إذا كان التوسع سيظل هو المحرك الرئيسي للابتكار في هذا المجال. سيكون من الضروري متابعة التطورات في هذا المجال عن كثب، وتقييم تأثيرها على مختلف الصناعات والمجالات.

