كوريا الجنوبية تحقق إنجازًا فضائيًا تاريخيًا بإطلاق أكبر قمر صناعي لها
في خطوة تعزز طموحاتها في مجال استكشاف الفضاء، أطلقت كوريا الجنوبية بنجاح أكبر قمر صناعي لها حتى الآن، باستخدام صاروخها الفضائي “نوري” الذي تم تطويره محليًا. هذا الإطلاق، الذي تم في وقت مبكر من صباح يوم الخميس من ميناء فضائي على جزيرة قبالة مقاطعة جوهيونج الساحلية، يمثل علامة فارقة في برنامج الفضاء الكوري الجنوبي، وهو الرابع من أصل ستة عمليات إطلاق مخططة حتى عام 2027. يهدف هذا الإنجاز إلى ترسيخ مكانة كوريا الجنوبية كقوة صاعدة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتقليل الاعتماد على الدول الأخرى في إطلاق الأقمار الصناعية.
## صاروخ “نوري” يحمل حمولته الثمينة إلى الفضاء
انطلق صاروخ “نوري” المكون من ثلاث مراحل في مهمة دقيقة، حيث حمل معه قمرًا صناعيًا علميًا يبلغ وزنه 516 كيلوغرامًا بالإضافة إلى 12 قمرًا صناعيًا صغيرًا. تم وضع هذه الأقمار الصناعية في مدار مستهدف على ارتفاع حوالي 600 كيلومتر فوق سطح الأرض. أكد مسؤولو الفضاء الجوي أن عملية الإطلاق سارت بشكل مثالي، وأن الصاروخ أدى مهمته بنجاح تام.
### تأكيد الاتصال وتشغيل الأنظمة
بعد حوالي 40 دقيقة من الإطلاق، تلقت إدارة الفضاء الكورية إشارة تأكيد الاتصال من القمر الصناعي الرئيسي، مما يشير إلى أنه يعمل بشكل طبيعي. تضمن ذلك نشر الألواح الشمسية بنجاح، وهي خطوة حاسمة لتوليد الطاقة اللازمة لعمليات القمر الصناعي. من المقرر أن تتصل الأقمار الصناعية الـ 12 الأخرى بالمحطات الأرضية بشكل متتابع، وفقًا لجدول الاتصالات المحدد لكل منها.
## إعلان النجاح ونقطة تحول في صناعة الفضاء الكورية
أعلن وزير العلوم الكوري الجنوبي، كيونغهون باي، عن نجاح عملية الإطلاق، مؤكدًا أنها تجسد قدرة كوريا الجنوبية المستقلة على الإطلاق والنقل في الفضاء. واعتبر الوزير هذا الإطلاق بمثابة “نقطة تحول” لصناعة الفضاء في البلاد، خاصةً وأنها المرة الأولى التي تتولى فيها شركة خاصة، وهي Hanwha Aerospace، مهمة تجميع الصاروخ بالكامل، وذلك من خلال نقل التكنولوجيا من المعهد الكوري لأبحاث الفضاء الجوي.
بالإضافة إلى ذلك، أشار الوزير باي إلى أن هذا النجاح يمثل أساسًا لمواصلة تطوير مركبات الإطلاق من الجيل التالي، بالإضافة إلى استكشاف القمر ومهام الفضاء السحيق. هذا التوجه الاستراتيجي يعكس التزام كوريا الجنوبية بتوسيع نطاق تواجدها في الفضاء، والمساهمة في التقدم العلمي والتكنولوجي العالمي.
## مهام الأقمار الصناعية المتنوعة
القمر الصناعي الرئيسي الذي تم إطلاقه يحمل على متنه مجموعة من المعدات العلمية المتطورة. يتضمن ذلك كاميرا توهج هوائي واسعة النطاق لمراقبة النشاط الشفقي، وأنظمة متخصصة لقياس البلازما والمجالات المغناطيسية، بالإضافة إلى معدات لاختبار كيفية أداء تجارب علوم الحياة في بيئة الفضاء. هذه التجارب ستوفر بيانات قيمة للباحثين والعلماء في مختلف المجالات.
الأقمار الصناعية “المكعبة” الأصغر حجمًا، والتي تم تطويرها من قبل فرق جامعية ومؤسسات بحثية، تحمل أيضًا مهام متنوعة ومبتكرة. تشمل هذه المهام أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) لدراسة الغلاف الجوي للأرض، وكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتتبع البلاستيك في المحيطات، وأنظمة لاختبار كفاءة الخلايا الشمسية أو تقييم أداء معدات الاتصالات. هذه المشاريع الصغيرة تساهم في تطوير مهارات الشباب الكوري في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتشجع على الابتكار والإبداع.
## خطوات متسارعة نحو مستقبل فضائي مشرق
يأتي هذا الإطلاق بعد نجاح مماثل في مايو 2023، حيث تمكنت كوريا الجنوبية من وضع قمر مراقبة يزن 180 كيلوغرامًا في المدار. كما أنه يمثل الإطلاق الرابع بشكل عام منذ المحاولة الأولى في أكتوبر 2021، والتي شهدت فشلًا في تسليم جهاز وهمي. تخطط كوريا الجنوبية لإطلاق المزيد من الصواريخ في عامي 2026 و2027، كجزء من مشروع طويل الأمد يهدف إلى تطوير تقنيات وصناعات الفضاء المحلية، وتقليص الفجوة مع القوى الفضائية الرائدة في آسيا، مثل الصين واليابان والهند.
صاروخ “نوري” هو مركبة إطلاق فضائية ثلاثية المراحل، تعتمد على خمسة محركات من فئة 75 طن في مرحلتيه الأولى والثانية، ومحرك من فئة 7 طن في مرحلته الثالثة. يعتبر هذا الصاروخ أول مركبة إطلاق فضائية في كوريا الجنوبية تم بناؤها بشكل أساسي باستخدام التكنولوجيا المحلية، مما يمثل إنجازًا كبيرًا للدولة التي كانت تعتمد بشكل كبير على الدول الأخرى لإطلاق أقمارها الصناعية منذ التسعينيات.
## مركز نارو للفضاء: بداية رحلة استكشاف الفضاء
شهد مركز نارو للفضاء، وهو الميناء الفضائي الوحيد في كوريا الجنوبية، أول إطلاق ناجح له في عام 2013، وذلك باستخدام صاروخ من مرحلتين تم بناؤه بالاستعانة بالتكنولوجيا الروسية. وقد سبقت هذا النجاح سنوات من التأخير والفشل المتكرر، بما في ذلك اختبار أول في عام 2009 والذي وصل فيه الصاروخ إلى الارتفاع المستهدف لكنه فشل في نشر قمر صناعي، واختبار ثانٍ في عام 2010 انتهى بانفجار الصاروخ بعد وقت قصير من الإطلاق. هذه التجارب الصعبة ساهمت في بناء الخبرة والمعرفة اللازمة لتطوير صاروخ “نوري” بنجاح.
باختصار، يمثل إطلاق القمر الصناعي الأكبر على صاروخ “نوري” خطوة مهمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الفضاء، وتعزيز مكانة كوريا الجنوبية كلاعب رئيسي في هذا المجال الحيوي. هذا الإنجاز يفتح الباب أمام المزيد من الفرص والتعاونات الدولية في مجال استكشاف الفضاء، ويساهم في تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي للمجتمع ككل. تابعوا آخر التطورات في برنامج الفضاء الكوري الجنوبي، واستعدوا لمشاهدة المزيد من الإنجازات المذهلة في المستقبل القريب.

