في نهاية تعاملات يوم الجمعة، شهدت أسواق الأسهم الأمريكية تراجعًا ملحوظًا، حيث بدأت بريق الذكاء الاصطناعي في الخفوت بعد فترة من الارتفاعات القياسية. هذا الانخفاض أثار تساؤلات حول استدامة الطفرة التي قادها هذا القطاع، وأثر على مؤشرات رئيسية مثل ستاندرد آند بورز 500 وناسداك.
تراجع أسهم التكنولوجيا يقود السوق إلى الهبوط
تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.1%، مسجلاً أسوأ أداء له في ثلاثة أسابيع. وكان هذا المؤشر قد سجل سابقًا أعلى مستوى له على الإطلاق، لكنه لم يتمكن من الحفاظ على هذا الزخم. الأداء الضعيف لشركات التكنولوجيا كان المحرك الرئيسي لهذا الهبوط، حيث انخفض مؤشر ناسداك المركب بنسبة 1.7%. كما تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 245 نقطة، أو 0.5%، بعد أن حقق رقمه القياسي الخاص في اليوم السابق.
Broadcom و Oracle: إشارات على تباطؤ زخم الذكاء الاصطناعي؟
كانت شركة Broadcom هي الأكثر تأثيرًا على انخفاض مؤشر S&P 500، حيث انخفض سهمها بنسبة 11.4% على الرغم من إعلانها عن أرباح قوية في الربع الأخير. ووفقًا للتحليلات، يعود هذا التراجع إلى قلق المستثمرين بشأن بعض التوقعات المالية للشركة، خاصةً مقدار الربح الذي يمكن أن تجنيه من كل دولار إيرادات. الرئيس التنفيذي لـ Broadcom، هوك تان، أكد أن النمو القوي في إيرادات أشباه الموصلات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي (بنسبة 74%) ساهم في تحقيق هذه النتائج، لكن هذا لم يمنع المستثمرين من أخذ موقف حذر.
وبشكل مشابه، انخفضت أسهم Oracle بنسبة 11% تقريبًا بعد إعلانها عن أرباح تجاوزت توقعات المحللين. هذا الانخفاض أثار تساؤلات حول قدرة الشركة على تحويل استثماراتها الكبيرة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى أرباح ملموسة، وكيفية تمويل هذه الاستثمارات. هذه الشكوك ليست خاصة بشركتي Broadcom و Oracle، بل تعكس حالة من الحذر تسود قطاع الذكاء الاصطناعي بشكل عام، على الرغم من استمرار تدفق مليارات الدولارات من الاستثمارات.
Nvidia تتأثر بالهبوط العام
حتى شركة Nvidia، التي تعتبر “المدللة” لطفرة الذكاء الاصطناعي، لم تسلم من هذا الهبوط، حيث انخفض سهمها بنسبة 3.3%. هذا الانخفاض يوضح أن حتى الشركات الرائدة في هذا المجال ليست محصنة ضد تقلبات السوق والمخاوف المتزايدة بشأن التقييمات المرتفعة.
تأثير أسعار الفائدة على معنويات السوق
بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ساهم ارتفاع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.18% في الضغط على سوق الأسهم. ارتفاع العائدات يجعل الاستثمار في السندات أكثر جاذبية، مما قد يدفع المستثمرين إلى بيع أسهمهم والتحول إلى هذا الأصل الأكثر أمانًا. كما أن العائدات المرتفعة يمكن أن تثني المستثمرين عن دفع أسعار مرتفعة للأسهم، خاصةً تلك التي تعتبر بالفعل باهظة الثمن.
تلميحات بنك الاحتياطي الفيدرالي وتأثيرها الإيجابي
على الرغم من هذه الضغوط، أبدى المستثمرون بعض التفاؤل بشأن أسعار الفائدة بعد تصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. أشار باول إلى أن أسعار الفائدة قد تظل ثابتة لفترة من الوقت، ولكنه ساعد في تهدئة الأعصاب عندما بدت تعليقاته أقل تشددًا مما كان متوقعًا، مما أثار الآمال في احتمال خفض أسعار الفائدة مرة أخرى في عام 2026. أسعار الفائدة المنخفضة تعتبر محفزًا للاقتصاد وترفع أسعار الاستثمارات، على الرغم من أنها قد تؤدي إلى تفاقم التضخم.
أداء متفاوت بين القطاعات
بينما تأثرت أسهم التكنولوجيا سلبًا، أظهرت أسهم الشركات التي تعتمد على إنفاق المستهلكين الأمريكيين أداءً جيدًا نسبيًا. ارتفع سهمان من كل خمسة أسهم ضمن مؤشر ستاندرد آند بورز 500، مما يشير إلى أن المستثمرين ما زالوا واثقين في قوة الاقتصاد الأمريكي. كما ساهم انخفاض أسعار النفط في تحسين معنويات السوق، حيث قد يؤدي ذلك إلى تخفيف الأعباء المالية على المستهلكين.
ومن بين الشركات التي حققت مكاسب ملحوظة، شيبوتل ميكسيكان جريل (ارتفع سهمها بنسبة 3.6%)، وماكدونالدز (ارتفع سهمها بنسبة 2.3%)، والنرويجية كروز لاين (ارتفع سهمها بنسبة 1.5%). كما قفز سهم Lululemon Athletica بنسبة 9.6% بعد إعلانها عن أرباح وإيرادات أفضل من المتوقع.
ملخص أداء السوق
في نهاية المطاف، انخفض مؤشر S&P 500 بمقدار 73.59 نقطة إلى 6827.41، وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 245.96 نقطة إلى 48458.05، وانخفض مؤشر ناسداك المركب بمقدار 398.69 نقطة إلى 23195.17. في الأسواق الخارجية، انخفضت المؤشرات بشكل طفيف في أوروبا، بينما شهدت آسيا أداءً قويًا، حيث ارتفعت الأسهم في هونج كونج وطوكيو بنسب كبيرة.
الخلاصة:
يشير تراجع أسواق الأسهم الأمريكية يوم الجمعة إلى أن طفرة الذكاء الاصطناعي قد بدأت في فقدان زخمها. على الرغم من أن هذا القطاع لا يزال يحظى بإمكانات نمو كبيرة، إلا أن المستثمرين أصبحوا أكثر حذرًا بشأن التقييمات المرتفعة والشكوك المحيطة بقدرة الشركات على تحويل الاستثمارات إلى أرباح ملموسة. من المهم مراقبة تطورات هذا القطاع عن كثب، بالإضافة إلى تأثير أسعار الفائدة والظروف الاقتصادية العامة على أداء السوق. هل نشهد تصحيحًا أعمق في قطاع التكنولوجيا، أم أن هذا التراجع هو مجرد فرصة شراء؟ الإجابة على هذا السؤال ستتحدد في الأسابيع والأشهر القادمة.

