في خضم التطورات المتسارعة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، أثارت ميزة جديدة على منصة X (تويتر سابقًا) جدلاً واسعًا وكشفت عن حقائق مقلقة حول طبيعة بعض الحسابات المؤثرة. هذه الحسابات، التي تتبنى بقوة أيديولوجية “Make America Great Again” (MAGA) وتدين بالولاء للرئيس السابق دونالد ترامب، لم تكن كما تبدو. الكشف عن مواقع هذه الحسابات، والتي تبين أنها منتشرة في مناطق جغرافية مختلفة حول العالم، سلط الضوء على خطر التأثير الأجنبي على السياسة الأمريكية، وهو ما يثير تساؤلات حول نزاهة الخطاب العام وسلامة العملية الديمقراطية.
ما هي ميزة تحديد الموقع الجديدة على X؟
أعلنت X، تحت قيادة إيلون ماسك، عن إطلاق أداة “حول هذا الحساب” في نهاية الأسبوع الماضي. تتيح هذه الأداة للمستخدمين معرفة البلد أو المنطقة المرتبطة بالحساب. يمكن للمستخدمين الوصول إلى هذه المعلومة عن طريق النقر على تاريخ تسجيل الحساب الظاهر على ملفه الشخصي. ووفقًا لنيكيتا بيير، رئيس منتج X، فإن هذه الخطوة تمثل “خطوة أولى مهمة لضمان سلامة ساحة المدينة العالمية”، مع خطط لتوفير المزيد من الأدوات للتحقق من صحة المحتوى.
في الدول التي تفرض قيودًا على حرية التعبير، توفر X خيارًا لعرض المنطقة بدلًا من البلد بشكل كامل، مما يوفر درجة من الخصوصية. على سبيل المثال، يمكن للحساب أن يحدد موقعه في “جنوب آسيا” بدلًا من “الهند” مباشرة. ومع ذلك، حتى مع هذه المرونة، أثارت الميزة الجديدة موجة من الاكتشافات المثيرة للجدل.
كشف الحسابات الوهمية الداعمة لحركة MAGA
سرعان ما اكتشف المحققون والخبراء عبر الإنترنت أن العديد من الحسابات التي تبدو وكأنها تابعة لمواطنين أمريكيين متحمسين لحركة MAGA، في الواقع، تقع في دول مثل الهند، وإفريقيا، وأوروبا الشرقية. شركة NewsGuard، المتخصصة في تتبع المعلومات المضللة، حددت العديد من هذه الحسابات التي كانت تنشر بشكل فعال أخبارًا ومحتوى استقطابيًا حول السياسة الأمريكية.
من بين الادعاءات المضللة التي ساهمت هذه الحسابات في نشرها، اتهامات باطلة بتلقي الديمقراطيين رشاوى للتأثير على مشرفي المناظرة الرئاسية لعام 2024. هذا الكشف يثير مخاوف جدية حول محاولات التلاعب بالرأي العام والتأثير على الانتخابات الأمريكية من خلال حسابات وهمية ومنسقة.
دوافع وراء هذه الحسابات: المال أم السياسة؟
تتنوع دوافع إنشاء وتشغيل هذه الحسابات. ففي حين أن بعضها قد يكون مرتبطًا بجهات حكومية أجنبية تسعى إلى التدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية، فإن العديد منها يبدو مدفوعًا بمكاسب مالية. هذه الحسابات تنشر المحتوى وتشارك فيه بهدف زيادة التفاعل وجذب الإعلانات أو الدفع مقابل الترويج.
ألكسيوس مانتزارليس، مدير مبادرة الأمن والثقة والسلامة في جامعة كورنيل، يشير إلى أن “المال هو الدافع الرئيسي” للعديد من هذه الحسابات. ومع ذلك، يضيف أن هذا لا ينفي احتمال وجود جهات حكومية تستخدم X كأداة للتأثير. من المهم ملاحظة أن منصات أخرى، مثل ميتا (فيسبوك)، لديها بالفعل معلومات مماثلة، ولكن لم يتمكن أحد من إثبات أنها أدت إلى تقليل انتشار المعلومات المضللة بشكل كبير.
أمثلة مثيرة للجدل لحسابات مشبوهة
تضمنت الحسابات التي أثارت الجدل حسابات تدعم الناشط المحافظ الراحل تشارلي كيرك، بالإضافة إلى حسابات تنشر محتوى مؤيدًا لأبناء الرئيس دونالد ترامب. العديد من هذه الحسابات كانت مزينة بالأعلام الأمريكية وتستخدم لغة تشير إلى أنها تابعة لمواطنين أمريكيين.
على سبيل المثال، حساب يحمل اسم “@BarronTNews_”، والذي يضم أكثر من 580 ألف متابع، يظهر على أنه يقع في “أوروبا الشرقية (خارج الاتحاد الأوروبي)”، على الرغم من أن صورة الملف الشخصي تشير إلى “Mar A Lago”. يدعي صاحب الحساب أنه “حساب FAN مستقل بنسبة 100٪، يديره شخص واحد يحب هذا البلد ويدعم الرئيس ترامب بكل ما أملك”.
تحديات دقة ميزة تحديد الموقع والخصوصية
على الرغم من أن X تدعي أن ميزة تحديد الموقع ستصبح دقيقة بنسبة 99.99% بعد التحديثات الأخيرة، إلا أن هناك تحديات تقنية تجعل من الصعب ضمان هذه الدقة. يمكن للحسابات استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) لإخفاء موقعها الحقيقي، كما أن بعض مزودي خدمة الإنترنت يستخدمون الوكلاء تلقائيًا دون علم المستخدم.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت التحقيقات أن بعض المستخدمين ينشرون معلومات مضللة حول ميزة الموقع نفسها، ويتهمون بشكل خاطئ حسابات أخرى بالعمل من الخارج. هذا يسلط الضوء على أهمية التعامل مع هذه المعلومات بحذر وعدم الاعتماد عليها بشكل كامل.
ردود فعل المستخدمين ومخاوف الخصوصية
أثارت ميزة تحديد الموقع الجديدة جدلاً واسعًا بين مستخدمي X. تساءل البعض عما إذا كانت هذه الميزة تمثل انتهاكًا للخصوصية، حيث لا يرغبون في مشاركة معلوماتهم الجغرافية مع الآخرين. كتب أحد المستخدمين: “أليس هذا النوع من انتهاك الخصوصية؟ لا يحتاج أحد لرؤية هذه المعلومات.”
وعلى الرغم من هذه المخاوف، يرى البعض الآخر أن هذه الميزة خطوة ضرورية نحو زيادة الشفافية ومكافحة التلاعب على المنصة. السؤال يبقى حول ما إذا كانت الفوائد تفوق المخاطر، وكيف يمكن لـ X تحقيق التوازن بين الشفافية وحماية خصوصية المستخدم.
في الختام، تكشف ميزة تحديد الموقع الجديدة على X عن جانب مظلم من النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر الحسابات الوهمية والمضللة بهدف التأثير على الرأي العام. يتطلب مكافحة هذا التحدي جهودًا متضافرة من قبل المنصة، والباحثين، والمستخدمين، بالإضافة إلى تطوير أدوات وتقنيات جديدة للتحقق من صحة المعلومات وحماية سلامة الخطاب العام. من الضروري الاستمرار في مراقبة هذه التطورات وتقييم فعاليتها في الحد من التأثير الأجنبي على السياسة الأمريكية والحفاظ على نزاهة العملية الديمقراطية.

