تسعى حكومات المملكة العربية السعودية وقطر وأبو ظبي إلى استثمار مليارات الدولارات في تكتل إعلامي عملاق محتمل يضم شركتي باراماونت ووارنر براذرز ديسكفري. وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذه الدول، وما الذي تتوقعه مقابل استثماراتها الضخمة في هذا المجال الحيوي. هذا التطور يأتي في أعقاب انسحاب باراماونت من مفاوضات سابقة لشراء وارنر براذرز ديسكفري، ويدفع الآن بعرض قد يكون “عدائياً” كما يوصفه البعض.
تأتي هذه الجهود الاستثمارية في وقت يشهد فيه قطاع الإعلام العالمي تحولات كبيرة، مع تزايد قوة الشركات الرقمية وتغير عادات المشاهدة. ووفقًا لتقارير، فإن المبلغ الذي كانت هذه الدول مستعدة لتقديمه يصل إلى 24 مليار دولار، وهو ما يضاهي ضعف المبلغ الذي كان من المقرر أن يستثمره إيليسون في وارنر براذرز ديسكفري.
استثمارات ضخمة في قطاع الإعلام: ما هي مكاسب باراماونت ووارنر براذرز ديسكفري؟
رفضت شركة باراماونت الإفصاح عن تفاصيل العائد المتوقع لهذه الدول من استثماراتها، أو عن طبيعة الدور الذي قد يلعبه المستثمرون الجدد في إدارة الشركة الموحدة. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن هذه الدول لن تطلب الحصول على مقاعد في مجلس الإدارة أو أي صلاحيات إدارية مباشرة، وهو ما قد يسهل تمرير الصفقة من الناحية التنظيمية في الولايات المتحدة.
يهدف هذا التحول في هيكل الصفقة إلى معالجة المخاوف التي أثارتها وارنر براذرز ديسكفري سابقًا بشأن تدخل حكومات أجنبية في إدارة الشركة. وتعتبر باراماونت أن هذه الصفقة ستواجه عقبات تنظيمية أقل مقارنة بعرض شركة نتفليكس لشراء وارنر براذرز ديسكفري، حيث أن الأخيرة قد تخضع لتدقيق أشد من قبل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS).
لكن يبقى السؤال الأهم: ما هي المكاسب التي تسعى إليها هذه الدول من وراء استثمارها في هذا التكتل الإعلامي؟
الدوافع المحتملة للمستثمرين
بالإضافة إلى تحقيق عوائد مالية، قد تسعى هذه الدول إلى تحقيق مكاسب استراتيجية من خلال امتلاك حصة في شركة إعلامية كبرى. تشمل هذه المكاسب الوصول إلى جمهور واسع، والتأثير في الرأي العام، وتعزيز صورتها على المستوى العالمي. قد يكون الاستثمار في شركات الإعلام جزءًا من خطة أوسع لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.
على صعيد آخر، يبرز اسم جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كشريك محتمل في الصفقة من خلال شركة Affinity Partners الخاصة به. وتستثمر هذه الشركة أموالًا نيابة عن المملكة العربية السعودية وقطر وأبو ظبي، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي للصفقة.
من الجدير بالذكر أن الرئيس ترامب أبدى اهتمامًا بالتعامل مع الشركات الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط، حيث استقبل الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض الشهر الماضي. هذا التشابك بين السياسة والأعمال يثير تساؤلات حول مدى تأثير العلاقات الشخصية والسياسية في مسار الصفقة.
في المقابل، لا يزال موقف وارنر براذرز ديسكفري غير واضح تمامًا. فبينما تسعى باراماونت إلى تقديم عرض جذاب، فإن مستقبل الشركة يبقى محل تكهنات واسعة. و قد تكون وارنر براذرز ديسكفري أكثر حذراً بشأن قبول استثمارات من دول قد يكون لها أجندات سياسية مختلفة. كما أن إمكانية تدخل لجنة CFIUS لا تزال قائمة، خاصةً إذا اعتبرت الاستثمارات الأجنبية تهديدًا للأمن القومي الأمريكي.
تأتي هذه الصفقات في ظل منافسة متزايدة في قطاع البث المباشر وخدمات الفيديو حسب الطلب (VOD). تسعى الشركات الإعلامية إلى تعزيز مكانتها في السوق من خلال الاندماج والاستحواذ على الشركات الأخرى، وذلك لمواجهة تحديات المنافسة وتلبية احتياجات الجمهور المتغيرة. كما أن الإعلان عن هذه الاستثمارات يأتي بعد إتمام صفقة نتفليكس لشراء حقوق بث WWE.
الجدير بالذكر أن قانونًا أمريكيًا صدر العام الماضي يلزم شركة ByteDance الصينية بالتخلي عن ملكية TikTok في الولايات المتحدة، لكن هذه الخطوة لم تتحقق بعد، ولا يزال تطبيق TikTok نشطًا في السوق الأمريكية. وهذا يشير إلى أن عملية الموافقة التنظيمية على الصفقات التي تشمل استثمارات أجنبية قد تكون معقدة وغير مضمونة.
من المتوقع أن تبدأ شركة باراماونت في مفاوضات مباشرة مع وارنر براذرز ديسكفري لتقديم عرض رسمي، على أن يتم البت في الصفقة خلال الأسابيع المقبلة. تبقى التسوية النهائية والقبول من قبل جميع الأطراف المعنية غير مؤكدة، ويجب مراقبة تطورات اللجنة التنظيمية الأمريكية. وستكون ردة فعل المساهمين في وارنر براذرز ديسكفري حاسمة في تحديد مستقبل هذه الصفقة الطموحة.
