نيودلهي (ا ف ب) – شكلت موافقة البرلمان الهندي يوم الخميس على تشريع جديد يسمح للشركات الخاصة بدخول قطاع الطاقة النووية خطوة تاريخية. يُعتبر هذا القانون بمثابة تحول كبير في السياسة الهندية، يهدف إلى تسريع وتيرة التوسع في مجال الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. بينما ترى الحكومة في هذا القرار فرصة لتعزيز مكانة الهند كلاعب رئيسي في مستقبل الطاقة النووية عالميًا، تعبر أحزاب المعارضة عن قلقها بشأن التداعيات المحتملة على السلامة والمسؤولية.
قانون “التسخير المستدام للطاقة النووية”: ما الذي تغير؟
أقر مجلس النواب التشريع يوم الأربعاء، تبعه مجلس الشيوخ يوم الخميس، ليصبح جاهزًا لتوقيع الرئيس الهندي عليه، وهي خطوة إجرائية أخيرة قبل دخوله حيز التنفيذ. القانون الجديد، الذي يحمل اسم “التسخير المستدام والنهوض بالطاقة النووية لتحويل الهند”، يهدف بشكل أساسي إلى تحديث الإطار التنظيمي للطاقة النووية في البلاد، ليواكب التطورات التكنولوجية والاقتصادية الحديثة.
وصرّح وزير الدولة جيتندرا سينغ، المشرف على وزارة الطاقة الذرية، بأن التشريع لا يقلل من أهمية معايير السلامة والأمن، بل يسعى إلى تعزيزها وتطويرها. ويرى أن هذا القانون يتماشى مع الطموحات الهندية المتزايدة في لعب دور فعال على المسرح العالمي. الهيمنة السابقة للحكومة على القطاع النووي شهدت تباطؤًا في النمو، ويعتقد المؤيدون أن إدخال القطاع الخاص سيزيد من سرعة تطوير هذه الصناعة الحيوية.
أهمية التحول نحو الطاقة النووية في الهند
تأتي هذه الخطوة في وقت تعيد فيه العديد من الدول تقييم دور الطاقة النووية في مزيج الطاقة لديها، وذلك في ظل سعي عالمي لتحقيق أهداف مناخية طموحة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة. تعتبر الهند من بين أكبر الدول في العالم من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث لا تزال تعتمد بنسبة تزيد عن 75% على الوقود الأحفوري، وعلى رأسها الفحم، لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
وتسعى الهند إلى تركيب 100 جيجاوات من الطاقة النووية بحلول عام 2047، وهو ما يعادل توفير الطاقة اللازمة لما يقرب من 60 مليون منزل هندي سنويًا. يُعتبر هذا الهدف طموحًا، ولكنه ضروري لتحقيق التنمية المستدامة وتقليل الآثار البيئية السلبية. بالإضافة إلى ذلك، يعزز هذا التوجه مكانة الهند على خريطة الاستثمار في الطاقة البديلة، ويجذب الشركات الرائدة في هذا المجال.
المخاوف والتحديات التي تواجه التشريع الجديد
على الرغم من المزايا المحتملة، يثير القانون الجديد مخاوف جدية لدى أحزاب المعارضة والناشطين البيئيين. يركزون بشكل خاص على احتمالية ضعف معايير السلامة والمسؤولية، وما قد ينتج عن ذلك من مخاطر صحية وبيئية، خاصة بالنسبة للمجتمعات المحلية القريبة من المحطات النووية.
أعرب أشوك ميتال، النائب عن حزب آم أدمي، عن قلقه بشأن عدم وجود ضمانات كافية لحماية صحة السكان المتأثرين بالمحطات النووية. أما جي سونداراجان، الناشط المناهض للطاقة النووية، فقد وصف القانون بأنه “كارثي”، مشيرًا إلى أنه يفتح الباب أمام حوادث محتملة قد تؤثر على ملايين الأرواح. ويؤكد سونداراجان أن القانون لا يوفر آليات فعالة لتعويض المتضررين في حالة حدوث تسرب إشعاعي أو تأثيرات صحية سلبية.
التحديات العامة لتطوير الطاقة النووية في الهند
بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالتشريع الجديد، تواجه الهند عددًا من التحديات الأخرى في تطوير قطاع الطاقة النووية لديها. لا يزال القطاع صغيرًا نسبيًا، ويعاني من بعض التأخير في تنفيذ المشاريع. علاوة على ذلك، هناك تصورات سلبية عامة حول هذه الصناعة، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة والأمن.
ويتطلب التغلب على هذه التحديات بذل جهود مكثفة في مجال التوعية العامة، وتعزيز الشفافية في العمليات النووية، وتطبيق أعلى معايير السلامة والأمن. يجب على الحكومة والقطاع الخاص العمل معًا لضمان تطوير الطاقة النووية بشكل آمن ومستدام، بما يخدم مصالح الهند على المدى الطويل.
ردود الفعل الدولية وفرص التعاون
لاقت الموافقة على القانون الجديد في الهند ترحيبًا من بعض الجهات الدولية، التي ترى فيه خطوة إيجابية نحو تعزيز مكانة الهند كشريك موثوق به في مجال الطاقة النووية السلمية. ويؤكد الخبراء على أهمية وجود مصادر طاقة موثوقة وغير متوقفة على الظروف الجوية، مثل الطاقة النووية، في الانتقال نحو مستقبل منخفض الكربون.
ثمة فرص واعدة للتعاون الدولي في مجال الطاقة النووية في الهند، بما في ذلك تبادل الخبرات والتكنولوجيا، والاستثمار في تطوير مفاعلات جديدة، وضمان سلامة وأمن المنشآت النووية. تتطلع الهند إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع الحيوي، وتعزيز شراكاتها مع الدول الرائدة في مجال الطاقة النووية.
في الختام، يمثل التشريع الجديد نقطة تحول في قطاع الطاقة النووية الهندي. وبينما يحمل في طياته إمكانات كبيرة لتسريع التوسع في الطاقة النظيفة وتعزيز الاستدامة، فإنه يواجه أيضًا تحديات ومخاوف مشروعة. من خلال معالجة هذه المخاوف والعمل بشكل وثيق مع المجتمع الدولي، يمكن للهند أن تحقق طموحاتها في أن تصبح قوة عظمى في مجال الطاقة النووية، وأن تساهم بشكل فعال في مكافحة تغير المناخ.

