سنة صعود وهبوط: نظرة على أداء الأسواق المالية في 2025
كان عام 2025 عامًا مليئًا بالمفاجآت والتحديات بالنسبة للمستثمرين حول العالم. شهدت الأسواق المالية تقلبات حادة، مدفوعة بمجموعة من العوامل بدءًا من التوترات التجارية وصولًا إلى التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي. على الرغم من المخاوف التي أثارتها هذه العوامل، تمكنت الأسواق من تحقيق مكاسب ملحوظة، مما يبرز قدرة المستثمرين على التكيف والصمود. حتى مع هذه التقلبات، حققت مؤشرات الأسهم الرئيسية أداءً قويًا، مما يثير تساؤلات حول ما يخبئه عام 2026.
الرسوم الجمركية والتوترات التجارية: صدمة في بداية العام
بدأ العام بصدمة كبيرة، حيث أعلن الرئيس دونالد ترامب عن حزمة واسعة من الرسوم الجمركية الجديدة في أبريل، تجاوزت توقعات المستثمرين. أثار هذا الإعلان مخاوف فورية بشأن احتمال حدوث ركود اقتصادي وتصاعد التضخم. تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة تقارب 5% في 3 أبريل، مسجلاً أسوأ أداء له منذ انهيار أسواق المال بسبب جائحة كورونا في عام 2020. وفي اليوم التالي، تفاقمت الأمور مع انخفاض المؤشر بنسبة 6% إضافية، بعد أن ردت الصين بتهديدات بفرض رسوم جمركية مضادة، مما أثار شبح حرب تجارية شاملة.
لم يقتصر تأثير هذه الرسوم الجمركية على سوق الأسهم فحسب، بل امتد ليشمل قيمة الدولار الأمريكي التي انخفضت، وشهدت أسواق السندات الأمريكية، التي تعتبر ملاذًا آمنًا، حالة من الاضطراب. لحسن الحظ، تراجع ترامب لاحقًا عن بعض هذه الإجراءات، بعد أن شهد “اضطرابًا” في سوق السندات، كما وصف الأمر، مما أدى إلى ارتياح نسبي في وول ستريت. كما بدأ في التفاوض على اتفاقيات مع بعض الدول لخفض الرسوم الجمركية المقترحة، مما ساهم في تهدئة الأعصاب.
طفرة الذكاء الاصطناعي وتخفيضات أسعار الفائدة: دفعة صيفية
بعد فترة من عدم اليقين، شهدت الأسواق المالية انتعاشًا ملحوظًا خلال فصل الصيف، مدفوعة بالاهتمام المتزايد بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ونتائج الشركات القوية. كما ساهمت ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في تعزيز هذا الارتفاع. أظهرت الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي نموًا قويًا، مما جذب المزيد من الاستثمارات وأدى إلى ارتفاع أسعار أسهمها.
ضغوط ترامب على الاحتياطي الفيدرالي: تدخل سياسي
أثارت تدخلات الرئيس ترامب المباشرة في سياسة الاحتياطي الفيدرالي جدلاً واسعًا. فقد مارس ترامب ضغوطًا كبيرة على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة، وهو ما يتعارض مع مبدأ الاستقلالية الذي لطالما تمتع به الاحتياطي الفيدرالي. يعتقد الكثيرون أن هذا الاستقلال ضروري لضمان اتخاذ قرارات اقتصادية سليمة بعيدًا عن الضغوط السياسية قصيرة الأجل.
انتقد ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول علنًا، واصفًا إياه بـ “المتأخر” في الاستجابة للظروف الاقتصادية. بلغت حدة التوتر ذروتها في يوليو، عندما اتهم ترامب باول بسوء إدارة تكاليف تجديد مقر البنك المركزي. أثارت هذه الهجمات الشخصية قلقًا في الأسواق المالية، خشية أن تؤدي إلى تقويض استقلالية البنك المركزي.
أداء الأسواق العالمية: ليس فقط أمريكا
على الرغم من الأداء القوي للأسواق الأمريكية، إلا أن العديد من الأسواق الأجنبية تفوقت عليها في النمو. فقد شهد مؤشر KOSPI الكوري أكبر مكاسبه منذ أكثر من عقدين، مدفوعًا بالاهتمام المتزايد بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، خاصةً شركات مثل Samsung وSK Hynix. كما حقق مؤشر نيكي 225 الياباني مكاسب كبيرة، مدفوعًا بالتركيز على الذكاء الاصطناعي وخطط التحفيز الحكومية.
شهدت الأسواق الأوروبية أيضًا عامًا قويًا، حيث استفاد مؤشر داكس الألماني من خطط الحكومة لزيادة الإنفاق على البنية التحتية والدفاع. كما ساهمت تخفيضات أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي في دعم الأسواق المالية في جميع أنحاء القارة.
صعود وهبوط العملات المشفرة: التقلبات مستمرة
لم تخلُ العملات المشفرة من التقلبات في عام 2025. فقد انخفضت قيمة البيتكوين في بداية العام، متأثرة بالتوترات التجارية وسياسات ترامب. لكنها سرعان ما تعافت، بعد أن أبدت الإدارة الأمريكية والكونغرس دعمًا للأصول الرقمية، وأطلقت عائلة ترامب عددًا من مشاريع العملات المشفرة. كما ساهم تدفق الاستثمارات من قبل المستثمرين الأفراد إلى صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة في ارتفاع الأسعار.
وصلت البيتكوين إلى مستوى قياسي حول 125000 دولار في أوائل أكتوبر، لكنها سرعان ما تراجعت بسبب مخاوف المستثمرين من ارتفاع أسعار أسهم التكنولوجيا والعملات المشفرة بشكل مبالغ فيه. وفي نهاية العام، تراجعت البيتكوين إلى حوالي 89400 دولار، بانخفاض قدره 28% عن الذروة و 4% عن بداية العام.
نظرة إلى المستقبل: ما الذي ينتظرنا في 2026؟
يتوقع العديد من المحللين أن يستمر النمو في الأسواق المالية في عام 2026، مع توقعات بتحقيق مكاسب إضافية. يعتمد هذا التفاؤل على توقعات باستمرار النمو الاقتصادي وتجنب الركود. كما يتوقعون أن تستمر الشركات الأمريكية في تحقيق أرباح قوية، وهو ما يميل إلى دعم أسعار الأسهم على المدى الطويل. تشير التقديرات إلى أن ربحية السهم للشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 سترتفع بنسبة 14.5% في عام 2026.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاوف التي قد تؤثر على أداء الأسواق في العام المقبل. أحد هذه المخاوف هو ما إذا كانت الاستثمارات الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى تحقيق عوائد كافية لتبرير هذه الاستثمارات. كما أن تقييمات الأسهم المرتفعة قد تشكل خطرًا، حيث يشير بعض المحللين إلى أن الأسهم الأمريكية قد تحقق عوائد سنوية تتراوح بين 3.5% و 5.5% فقط على مدى السنوات العشر المقبلة.
في الختام، كان عام 2025 عامًا مليئًا بالتحديات والفرص بالنسبة للمستثمرين. على الرغم من التقلبات التي شهدتها الأسواق المالية، تمكنت المؤشرات الرئيسية من تحقيق مكاسب ملحوظة. ومع ذلك، لا يزال هناك بعض المخاوف التي يجب مراعاتها عند النظر إلى المستقبل. من المهم أن يظل المستثمرون حذرين وأن يراقبوا عن كثب التطورات الاقتصادية والسياسية التي قد تؤثر على أداء الأسواق في عام 2026.

