مع تزايد قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي، ارتفع مستوى التدريب البشري المطلوب بشكل كبير، مما أدى إلى تهميش مُصنِّفي البيانات العامّين. هذا ما كشف عنه تقرير تعويضات مدربي الذكاء الاصطناعي لعام 2025 الصادر عن HireArt، والذي جمع معلومات من أكثر من 150 مصدرًا، بما في ذلك استطلاعات رأي العمال النشطين، والإعلانات الوظيفية العامة، والبيانات الداخلية. يشير التقرير إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة تتطلب الآن تفكيرًا دقيقًا، وخبرة متخصصة، وإتقانًا للغات متعددة، مما يحول “تصنيف البيانات” إلى عمل إدراكي متخصص. هذا التطور يؤثر بشكل كبير على سوق العمل في مجال تدريب الذكاء الاصطناعي.
تأتي هذه التغييرات في وقت يشهد فيه قطاع الذكاء الاصطناعي نموًا هائلاً واستثمارات ضخمة، مما يزيد من الطلب على الكفاءات المتخصصة. تعتمد الشركات بشكل متزايد على جودة البيانات التي تُغذّي نماذجها، وبالتالي فهي على استعداد لدفع مبالغ أكبر للمهنيين القادرين على توفير بيانات دقيقة وموثوقة. يُعد هذا التحول بمثابة نضوج للصناعة، حيث يلعب المدربون ذوو المهارات العالية، وليس عمال التجزئة المستقلون، دورًا متزايد الأهمية في تشكيل ذكاء النموذج وسلامته وموثوقيته.
التحول في سوق تدريب الذكاء الاصطناعي: من التصنيف العام إلى الخبرة المتخصصة
وفقًا لبيانات HireArt، يكسب مدربو نماذج الذكاء الاصطناعي المبتدئون والعامّون ما بين 12.50 دولارًا و 15.50 دولارًا في الساعة في الولايات المتحدة. في المقابل، يمكن للمدربين الخبراء ذوي المهارات العالية في الذكاء الاصطناعي كسب أكثر من 100 دولار في الساعة، اعتمادًا على المجال. يعكس هذا التفاوت الكبير القيمة المتزايدة للخبرة المتخصصة في مجالات مثل القانون والهندسة والطب.
أجور المدربين المتخصصين حسب المجال
تُظهر بيانات HireArt أن الخبراء في المجال الطبي يمكنهم كسب ما بين 60 دولارًا و 180 دولارًا في الساعة أو أكثر. أما في مجالي الهندسة والقانون، فتتراوح الأجور بالساعة بين 80 دولارًا و 150 دولارًا أو أكثر. هذه الأرقام تؤكد أن الشركات تبحث عن أفراد لديهم فهم عميق للمفاهيم والمصطلحات الخاصة بكل مجال لضمان جودة البيانات التدريبية.
يعزى هذا الارتفاع في الأجور إلى عدة عوامل. أولاً، تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة بيانات أكثر تعقيدًا ودقة من أي وقت مضى. ثانيًا، هناك نقص في المهنيين ذوي الخبرة المتخصصة القادرين على توفير هذه البيانات. ثالثًا، تدرك الشركات أن جودة البيانات التدريبية لها تأثير مباشر على أداء نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وبالتالي فهي على استعداد للاستثمار في أفضل المواهب المتاحة.
بالإضافة إلى الخبرة المتخصصة، هناك طلب متزايد على المدربين الذين يتقنون لغات متعددة. يساعد إتقان اللغات المتعددة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على فهم ومعالجة اللغات المختلفة، مما يجعلها أكثر فائدة لمجموعة واسعة من المستخدمين. هذا الجانب مهم بشكل خاص مع التوسع العالمي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
في المقابل، يواجه مُصنِّفو البيانات العامّون صعوبة متزايدة في العثور على عمل والحفاظ عليه. أصبحت المهام التي كانوا يقومون بها في السابق، مثل تحديد الكائنات في الصور أو نسخ النصوص، مؤتمتة بشكل متزايد. ونتيجة لذلك، فإنهم يضطرون إلى التنافس على عدد أقل من الفرص المتاحة، وغالبًا ما يتقاضون أجورًا منخفضة.
هذا التحول في سوق العمل له آثار كبيرة على كل من العمال والشركات. يجب على العمال الذين يرغبون في النجاح في مجال الذكاء الاصطناعي اكتساب مهارات متخصصة والتركيز على المجالات التي تتطلب خبرة بشرية. يجب على الشركات الاستثمار في تدريب وتطوير موظفيها، بالإضافة إلى البحث عن مواهب جديدة ذات مهارات متخصصة. كما يجب عليها أيضًا أن تكون على دراية بالتحديات التي يواجهها مُصنِّفو البيانات العامّون وأن تقدم لهم الدعم والمساعدة اللازمين.
تتجه الصناعة نحو الاعتماد بشكل أكبر على المدربين ذوي المهارات العالية الذين يمكنهم توفير بيانات تدريبية عالية الجودة. هذا سيؤدي إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر دقة وموثوقية وفعالية. ومع ذلك، من المهم أيضًا التأكد من أن هذا التحول لا يؤدي إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. يجب أن تكون هناك فرص متاحة للجميع للمشاركة في ثورة الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها.
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في السنوات القادمة، مع تزايد الطلب على المدربين المتخصصين وارتفاع الأجور. يجب على الشركات والأفراد الاستعداد لهذه التغييرات من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب وتطوير المهارات. من المهم أيضًا مراقبة التطورات التكنولوجية الجديدة التي قد تؤثر على سوق العمل في مجال الذكاء الاصطناعي. سيحدد مدى سرعة تبني هذه التقنيات وتأثيرها على الوظائف المستقبلية شكل الصناعة في السنوات القادمة.

