أصبح مفهوم **التوازن بين العمل والحياة** يخضع لتحولات جذرية في السنوات الأخيرة، حيث يتجه العديد من العاملين ذوي الياقات البيضاء إلى تخصيص ساعات من عطلة نهاية الأسبوع للعمل، ليس بدافع الإلزام، بل كطريقة لإعادة تشكيل جدولهم الأسبوعي بما يتناسب مع أولوياتهم الشخصية. هذا الاتجاه، الذي يظهر في الولايات المتحدة بشكل خاص، يعكس رغبة متزايدة في التحكم في الوقت وتخصيصه، بدلاً من الالتزام الصارم بساعات العمل التقليدية.
تشير البيانات إلى أن 5% من العاملين ذوي الياقات البيضاء في الولايات المتحدة قاموا بتسجيل الدخول للعمل خلال عطلات نهاية الأسبوع في عام 2024، بزيادة قدرها 9% مقارنة بعام 2023، وفقًا لتحليل أجرته شركة ActivTrak المتخصصة في تحليلات القوى العاملة وإنتاجية البرمجيات. يقضي هؤلاء العاملون في المتوسط حوالي 5 ساعات و 30 دقيقة في العمل خلال أيام السبت والأحد، وغالبًا ما يكونون من الشركات متوسطة الحجم التي تتراوح بين 1000 و 5000 موظف.
صعود ثقافة العمل في عطلة نهاية الأسبوع: أسباب وتداعيات
يعود هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها التزايد المستمر في إمكانية الوصول إلى العمل عبر الإنترنت، والهواتف الذكية، ومنصات التواصل المهني مثل Slack. لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تسريع وتيرة العمل عن بعد، مما أدى إلى تداخل الحدود بين الحياة العملية والشخصية بشكل أكبر. ومع ذلك، بدلاً من محاولة استعادة هذه الحدود بشكل كامل، يتبنى البعض الآخر هذا التداخل بشكل استباقي.
بالنسبة للعديد من العاملين، يمثل العمل في عطلة نهاية الأسبوع فرصة لإنجاز مهام تتطلب تركيزًا عميقًا دون انقطاع، وهو أمر يصعب تحقيقه خلال أيام الأسبوع المزدحمة بالاجتماعات والإشعارات. يسمح لهم ذلك بتخصيص وقت أطول لأنشطتهم الشخصية، مثل ممارسة الرياضة أو قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، دون الشعور بالذنب أو القلق بشأن تراكم المهام.
المرونة مقابل الإرهاق
يقول جوي سانفورد، وهو مدير حسابات مؤسس في شركة ناشئة، إنه بدأ العمل في عطلات نهاية الأسبوع بانتظام بعد ولادة طفلته. ويوضح أنه من خلال تخصيص بعض الساعات للعمل في أوقات غير تقليدية، مثل ليلة السبت أو صباح الأحد، يمكنه ضمان قضاء وقت ممتع مع عائلته والالتزام بتقاليد دينية مهمة، مع إنجاز مهامه في الوقت المناسب. ويؤكد سانفورد أن هذا النهج يمنحه شعورًا بالسيطرة على وقته وحياته.
في المقابل، يرى البعض الآخر أن العمل في عطلة نهاية الأسبوع هو مجرد انعكاس لثقافة عمل متزايدة التنافسية، حيث يشعر الموظفون بالضغط لإثبات أنفسهم من خلال العمل لساعات أطول. وقد أشار تقرير صادر عن شركة Microsoft إلى أن الموظفين يتعرضون لما يقرب من 275 مصدر إلهاء يوميًا، وأنهم يقضون حوالي 15 ساعة في الاجتماعات أسبوعيًا. هذه العوامل تجعل من الصعب عليهم التركيز على مهامهم وإنجازها خلال ساعات العمل التقليدية.
تتأثر هذه الظاهرة أيضًا بالتغيرات الاجتماعية والثقافية. فقد أصبح الناس يتأخرون في الزواج وإنجاب الأطفال، ويقضون وقتًا أطول بمفردهم. قد يؤدي ذلك إلى زيادة التركيز على الحياة المهنية، والرغبة في استثمار المزيد من الوقت والجهد في العمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشغف بالعمل والرغبة في الإبداع والتميز يمكن أن تدفع البعض إلى العمل في عطلات نهاية الأسبوع، حتى لو لم يكن ذلك ضروريًا.
تأثير ثقافة “996” و”العمل الذكي”
يشير البعض إلى أن صعود ثقافة العمل في عطلة نهاية الأسبوع هو نتيجة لتأثير ثقافة “996” الصينية (العمل من الساعة 9 صباحًا حتى 9 مساءً، ستة أيام في الأسبوع)، والتي بدأت تنتشر في وادي السيليكون. ومع تزايد المنافسة في قطاع التكنولوجيا، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، قد يشعر الموظفون بالضغط للعمل لساعات أطول لمواكبة التطورات السريعة.
ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه لا يقتصر على قطاع التكنولوجيا. فقد أظهر تحليل لاستخدام بطاقات الائتمان المؤسسية في سان فرانسيسكو زيادة في طلب وجبات الطعام في أيام السبت في الفترة من يناير إلى أغسطس 2025، مقارنة بنفس الفترة من عام 2024. يشير هذا إلى أن المزيد من الموظفين يقضون وقتًا أطول في العمل في عطلات نهاية الأسبوع، حتى في القطاعات غير التكنولوجية.
في المقابل، يتبنى البعض الآخر نهجًا مختلفًا، يركز على **العمل الذكي** بدلاً من العمل الجاد. يهدف هذا النهج إلى تحقيق أقصى قدر من الإنتاجية في أقل وقت ممكن، من خلال تحديد الأولويات، وتفويض المهام، واستخدام الأدوات والتقنيات المناسبة. قد يسمح هذا النهج للموظفين بإنجاز مهامهم خلال ساعات العمل التقليدية، دون الحاجة إلى العمل في عطلات نهاية الأسبوع.
في الختام، يبدو أن ثقافة العمل في عطلة نهاية الأسبوع آخذة في الانتشار، مدفوعة بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك التكنولوجيا، والتغيرات الاجتماعية، والمنافسة المتزايدة. من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في المستقبل القريب، مع تزايد أهمية المرونة والتحكم في الوقت بالنسبة للعاملين. ومع ذلك، من المهم أيضًا مراقبة الآثار السلبية المحتملة، مثل الإرهاق والتوتر، واتخاذ خطوات للتخفيف منها. من المتوقع أن تصدر المزيد من الدراسات والتقارير حول هذا الموضوع في الأشهر القادمة، مما سيوفر رؤى أعمق حول هذا التحول في عالم العمل.

