الذكاء الاصطناعي (AI) يشهد صراعات سياسية جديدة في الولايات المتحدة، حيث يعود الرئيس السابق دونالد ترامب إلى القضية المتعلقة بتقييد قدرة الولايات على تنظيم الذكاء الاصطناعي. هذا التحرك يثير جدلاً واسعاً ومعارضة كبيرة من داخل حزبه الجمهوري نفسه، مما يشير إلى مواجهة جديدة حول مستقبل هذا المجال التكنولوجي الهام.

عودة ترامب إلى ملف تنظيم الذكاء الاصطناعي

في منشور على منصته “Truth Social” يوم الثلاثاء، عبّر ترامب عن قلقه إزاء “الإفراط في التنظيم من قبل الولايات” الذي يهدد بتقويض صناعة الذكاء الاصطناعي. ودعا إلى وضع “معيار فيدرالي واحد بدلاً من مجموعة متفرقة من الأنظمة التنظيمية لـ 50 ولاية”.

هذا ليس مجرد تصريح، بل وفقاً لمسودة مذكرة تنفيذية اطلعت عليها “Business Insider”، فإن إدارة ترامب تستعد لإصدار أمر تنفيذي يسمح لوزارة العدل بمقاضاة الولايات التي تتبنى قوانين الذكاء الاصطناعي تعتبر “مرهقة” أو تعيق نمو الصناعة. ومع ذلك، أكد مسؤول في البيت الأبيض لـ “Business Insider” أن النقاش حول المذكرات التنفيذية المحتملة لا يزال تخمينياً حتى يتم الإعلان الرسمي.

صراع قديم يتجدد

هذا التطور يعيد إلى الأذهان صراعاً مماثلاً خاضه الجمهوريون في الصيف الماضي، حين حاول بعضهم إدراج قانون يقضي بتجميد التنظيم على مستوى الولايات لمدة عشر سنوات ضمن مشروع قانون ضخم.

النائبة مارجوري تايلور غرين من ولاية جورجيا، عبرت عن رفضها لهذا النهج، حيث كتبت على منصة X: “يجب أن تحتفظ الولايات بالحق في تنظيم وسن القوانين المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وأي شيء آخر لصالح ولايتها. يجب الحفاظ على مبدأ الفيدرالية”.

في النهاية، تم إسقاط هذا البند المتعلق بالذكاء الاصطناعي من مشروع القانون الضخم بأغلبية ساحقة بلغت 99 صوتاً مقابل صوت واحد في مجلس الشيوخ في يوليو الماضي، بعد سلسلة من التعديلات والنقاشات الحادة بين الجمهوريين. لاحقاً، أصدرت إدارة ترامب خطة عمل بشأن الذكاء الاصطناعي تتضمن التهديد بحجب التمويل الفيدرالي عن الولايات التي تفرض قيوداً صارمة على تنظيم الذكاء الاصطناعي.

محاولة جديدة عبر مشروع قانون الدفاع

الآن، يبدو أن الجمهوريين يعتزمون إعادة طرح هذه القضية من خلال مشروع قانون الدفاع السنوي، الذي يعتبر من القوانين “الضرورية” التي يجب إقرارها. أفاد رئيس الأغلبية في مجلس النواب ستيف سكاليز لشبكة “Punchbowl News” أن الجمهوريين يدرسون إرفاق نسخة من البند السابق بمشروع قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA). وأكد ترامب دعمه لمثل هذه الخطوة، قائلاً: “أدرجوه في مشروع قانون NDAA، أو أقروا قانوناً منفصلاً، ولن يتمكن أي شخص من منافسة أمريكا”.

هناك حجج قوية تدعم هذا الاتجاه، حيث يرى المؤيدون أنه من الضروري منع ظهور “فسيفساء” من القوانين المختلفة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي عبر الولايات الخمسين، وذلك بهدف تعزيز تطوير الصناعة ومواجهة المنافسة الصينية.

معارضة من داخل الحزب الجمهوري

في المقابل، يشدد المعارضون على حق الولايات في سن قوانين تضمن سلامة الذكاء الاصطناعي وسد الثغرات الموجودة في ظل غياب تنظيم فيدرالي شامل. حذر السيناتور جوش هاولي من ولاية ميسوري، الداعي إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي، من أن إدراج هذا البند في مشروع قانون الدفاع سيكون “مشكلة كبيرة”.

ولا تقتصر المعارضة على المشرعين الفيدراليين، بل تمتد لتشمل حكام ولايات جمهورية بارزين، مثل رون ديسانتيس حاكم فلوريدا وسارة هكا بي ساندرز حاكمة أركنساس.

وصرح ديسانتيس على منصة X بأن “تقويض ولاية الولايات القضائية في تنظيم الذكاء الاصطناعي هو دعم مالي لشركات التكنولوجيا الكبرى”، وأضاف أن هذا البند سيمنع الولايات من “حماية نفسها من الرقابة السياسية عبر الإنترنت، والتطبيقات الضارة التي تستهدف الأطفال، وانتهاكات حقوق الملكية الفكرية، والاعتداءات على مراكز البيانات على موارد الطاقة والمياه”.

كما دعت ساندرز إلى “إسقاط خطة إلغاء الصلاحيات الآن وحماية أطفالنا ومجتمعاتنا”، مشيرة إلى أنها قادت مجموعة من 20 ولاية في معارضة التجميد المقترح لتنظيم الذكاء الاصطناعي في الصيف الماضي.

مستقبل تنظيم الذكاء الاصطناعي

هذا الصراع الداخلي داخل الحزب الجمهوري يبرز التحديات المعقدة التي تواجه عملية تنظيم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة. بينما تسعى بعض الأطراف إلى إزالة القيود من أجل تشجيع الابتكار وتعزيز القدرة التنافسية، يصر آخرون على ضرورة حماية المواطنين والولايات من المخاطر المحتملة لهذه التكنولوجيا.

من الواضح أن هذه القضية لن تحسم قريباً، وستظل محط نقاش وجدل في الأوساط السياسية والتنظيمية في الولايات المتحدة لبعض الوقت. النقاش المستمر حول الذكاء الاصطناعي والتنظيم يمثل فرصة لضمان تطوير هذه التكنولوجيا بطريقة مسؤولة ومستدامة، مع مراعاة المصالح المتنوعة لجميع الأطراف. التركيز على الحوكمة الرشيدة ووضع معايير واضحة سيكون أمراً بالغ الأهمية لفتح الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي مع التخفيف من المخاطر المحتملة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أخذ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الاعتبار، وتضمين مبادئ التمييز والعدالة والشفافية في أي قوانين أو لوائح يتم تطويرها.

شاركها.
Exit mobile version