في تطور يثير الجدل، أعلن لاري سمرز، وزير الخزانة الأمريكي السابق، عن تنحيه عن منصبه كمدرس في جامعة هارفارد، وذلك بعد الكشف عن المزيد من الروابط التي تجمعه بـ جيفري إبستين، المدان بقضايا الاتجار بالجنس. يأتي هذا القرار في أعقاب ضغوط متزايدة، بما في ذلك دعوات من شخصيات بارزة مثل السيناتورة إليزابيث وارن لقطع العلاقات مع سمرز. هذه القضية تلقي الضوء على أهمية المساءلة الأخلاقية للشخصيات العامة وتأثير علاقاتهم على مؤسساتهم.
لاري سمرز وجيفري إبستين: تفاصيل القضية المتصاعدة
كشفت رسائل بريد إلكتروني حديثة، نشرتها لجنة الرقابة في مجلس النواب الأمريكي، عن تبادل مراسلات شخصية لسنوات بين سمرز وإبستين. لم تقتصر هذه الرسائل على مجرد التحيات العابرة، بل تضمنت طلبات من سمرز للحصول على نصائح حول كيفية التقرب من امرأة وصفها بـ “المتدربة”. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت رسائل أخرى تلميحات من سمرز إلى أن النساء لديهن معدل ذكاء أقل من الرجال، وهو تصريح أثار جدلاً واسعاً وأعاد إلى الأذهان تصريحات مماثلة أدلى بها في عام 2005، والتي أدت إلى استقالته من منصب رئيس جامعة هارفارد.
تاريخ من الارتباطات المثيرة للجدل
لم يكن هذا الكشف مفاجئًا تمامًا، حيث أن ارتباط سمرز بإبستين كان معروفًا منذ فترة طويلة. ففي عام 2015، كشفت سجلات الرحلات الجوية أن سمرز سافر على متن الطائرة الخاصة لإبستين. كما ظهر اسمه في تقويم إبستين لعام 2014، وفقًا لرسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها Business Insider في عام 2023. هذه الارتباطات المتكررة أثارت تساؤلات حول مدى وعي سمرز بأنشطة إبستين المشبوهة، وما إذا كان قد بذل جهودًا كافية لقطع علاقته به.
ردود الفعل والتداعيات على استقالة سمرز
أعلنت جامعة هارفارد أن سمرز سيتنحى عن دوره كمدرس في الفصول الدراسية المتبقية من هذا الفصل الدراسي، ولن يقوم بالتدريس في الفصل الدراسي القادم. كما سيأخذ إجازة من منصبه كمدير لمركز موسافار-الرحماني للأعمال والحكومة في كلية كينيدي الحكومية بينما تجري الجامعة مراجعتها الخاصة.
دعوات إلى المساءلة
السيناتورة إليزابيث وارن، التي سبق لها أن انتقدت سمرز بشأن سياساته الاقتصادية، كانت من بين أولئك الذين دعوا إلى قطع العلاقات معه. وصفت وارن علاقة سمرز بإبستين بأنها “حكم سيئ للغاية”، وأكدت أنه لا يمكن الوثوق به لتقديم المشورة للسياسيين وصناع القرار في البلاد، أو لتدريس جيل جديد من الطلاب في هارفارد أو أي مكان آخر. وأشارت إلى أن سمرز لم يتمكن من الابتعاد عن إبستين حتى بعد أن أصبحت جرائمه الجنسية معروفة على نطاق واسع.
اعتراف سمرز بالخجل
في بيان صدر يوم الاثنين، أعرب سمرز عن “خجله العميق” من أفعاله والأذى الذي تسبب فيه. وأضاف أنه سيتراجع عن التزاماته العامة “لإصلاح العلاقات مع الأشخاص الأقرب إليه”. وفي مقطع فيديو نشره على TikTok، تحدث سمرز إلى طلابه قائلاً: “أعتقد أنه من المهم جدًا الوفاء بالتزاماتي التدريسية”.
تأثير القضية على سمعة هارفارد والمؤسسات الأكاديمية
تأتي هذه القضية في وقت تواجه فيه المؤسسات الأكاديمية تدقيقًا متزايدًا بشأن علاقاتها بالجهات المانحة والشخصيات المؤثرة. فمن ناحية، تعتمد الجامعات على التبرعات لتمويل أبحاثها وبرامجها. ومن ناحية أخرى، يجب عليها أن تحافظ على معايير أخلاقية عالية وأن تضمن أن علاقاتها لا تعرض سمعتها أو سلامة طلابها للخطر.
التحرش الجنسي و المساءلة الأخلاقية هما موضوعان رئيسيان يبرزان في هذه القضية، بالإضافة إلى علاقات النخبة التي غالبًا ما تحيط بالشخصيات البارزة.
إن استقالة سمرز من هارفارد هي بمثابة إشارة قوية إلى أن المؤسسات لن تتسامح بعد الآن مع السلوكيات غير الأخلاقية أو الارتباطات المشبوهة. ومن المرجح أن تؤدي هذه القضية إلى مزيد من التدقيق في علاقات الشخصيات العامة مع المدانين بجرائم جنسية، وإلى زيادة الضغط على الجامعات والمؤسسات الأخرى لتبني سياسات أكثر صرامة بشأن المساءلة الأخلاقية.
الخلاصة
قضية لاري سمرز وجيفري إبستين هي تذكير صارخ بأهمية المساءلة الأخلاقية، حتى بالنسبة لأولئك الذين يحتلون مناصب رفيعة. إن استقالة سمرز من هارفارد هي خطوة مهمة نحو استعادة الثقة في المؤسسات الأكاديمية، ولكنها ليست سوى البداية. يجب على الجامعات والمؤسسات الأخرى أن تواصل العمل على تعزيز معاييرها الأخلاقية، وأن تضمن أن علاقاتها لا تعرض سلامة طلابها أو سمعتها للخطر. هذه القضية ستظل بلا شك موضوع نقاش وتحليل لسنوات قادمة، وستؤثر على الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات مع قضايا السلوك غير الأخلاقي والارتباطات المشبوهة.


