في خضم التوترات الاقتصادية والسياسية، لا يزال الرئيس السابق دونالد ترامب يصر على إقالة جيروم باول من منصبه كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وقد صرح ترامب بذلك بشكل صريح خلال مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين في مار-آ-لاغو بفلوريدا، حيث رد على سؤال من أحد الصحفيين حول ما إذا كان سيطلب من باول الاستقالة، قائلاً إنه “يقترب جدًا” من ذلك، مضيفًا أنه “سيقوم بإقالته”. كما أشار إلى أنه سيعلن عن خليفة لباول في وقت ما خلال شهر يناير القادم. هذه التصريحات تأتي في سياق انتقادات لاذعة وجهها ترامب لباول خلال المؤتمر، وتثير تساؤلات حول مستقبل السياسة النقدية في الولايات المتحدة.

تصعيد الانتقادات: ترامب يهدد بإقالة باول

خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يتردد ترامب في توجيه إهانات شخصية لباول، واصفًا إياه بـ “الأحمق المطلق”. كما أعاد طرح عبارته الشهيرة “باول متأخر جدًا”، في إشارة إلى تأخره في خفض أسعار الفائدة كما كان يطمح ترامب.

هذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها ترامب عن استيائه من أداء باول. فقد أعلن في وقت سابق عن نيته رفع دعوى قضائية ضد رئيس الاحتياطي الفيدرالي بتهمة “الإهمال الجسيم”، مكررًا انتقاداته لعدم خفض أسعار الفائدة، بالإضافة إلى إنفاق مبالغ كبيرة على تجديد مبنى الاحتياطي الفيدرالي.

على الرغم من أن هذه التصريحات قد تبدو مفاجئة للبعض، إلا أنها تعكس استمرار ترامب في تحدي المؤسسات المستقلة، ورغبته في السيطرة على السياسات الاقتصادية.

رد فعل الاحتياطي الفيدرالي وتاريخ التعيين

في ردها على طلب التعليق من موقع “Business Insider”، اكتفت متحدثة باسم الاحتياطي الفيدرالي بالقول إنها “لا تضيف شيئًا”. هذا الرد المقتضب يعكس ربما عدم رغبة المؤسسة في الدخول في جدال علني مع الرئيس السابق.

جيروم باول، البالغ من العمر 72 عامًا، يشغل منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي منذ عام 2017، بعد أن قام ترامب بترشيحه لهذا المنصب خلال فترة ولايته الأولى. وتم إعادة تعيينه لفترة ثانية في عام 2022، ومن المقرر أن تنتهي هذه الفترة في مايو 2026.

السياسة النقدية هي جوهر الخلاف بين ترامب وباول. يرى ترامب أن خفض أسعار الفائدة سيحفز النمو الاقتصادي، بينما يفضل باول اتباع نهج أكثر حذرًا للسيطرة على التضخم.

تاريخ من الانتقادات والتقلبات في المواقف

لم تكن انتقادات ترامب لباول وليدة اللحظة. فقد بدأ الرئيس السابق في المطالبة باستقالة باول منذ بداية فترة ولايته. ففي أبريل الماضي، كتب ترامب على منصة “Truth Social” أن “إنهاء خدمة باول لا يمكن أن يأتي بسرعة كافية”، بعد أن انتقد باول الرسوم الجمركية الواسعة النطاق التي فرضها ترامب، مشيرًا إلى أنها قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وضعف النمو الاقتصادي.

في يوليو الماضي، أكدت مصادر لموقع “Business Insider” أن ترامب سأل مجموعة من المشرعين عن إمكانية إقالة باول، وحصل على موافقتهم على ذلك. ومع ذلك، بدا أن ترامب تراجع عن هذا الموقف في وقت لاحق من نفس الشهر، قائلاً إنه “من غير المرجح للغاية” أن يتخذ هذه الخطوة، وأن إدارته ستختار شخصًا آخر لهذا المنصب خلال الأشهر الثمانية القادمة.

التضخم في الولايات المتحدة هو أحد العوامل الرئيسية التي دفعت ترامب إلى انتقاد باول. يرى ترامب أن باول فشل في السيطرة على التضخم، وأن سياساته النقدية ساهمت في ارتفاع الأسعار.

ما الذي يمكن أن يعنيه هذا للتأثير الاقتصادي؟

إن إقالة باول، حتى لو كانت مجرد تهديد، يمكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. فالاحتياطي الفيدرالي يلعب دورًا حاسمًا في تحديد السياسة النقدية، والتي تؤثر على كل شيء من أسعار الفائدة إلى التضخم إلى أسعار الصرف.

إن تغيير رئيس الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يؤدي إلى تغيير في هذه السياسات، مما قد يؤثر على الاستثمارات والوظائف والنمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، فإن إقالة باول قد تقوض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وهو أمر يعتبره الكثيرون ضروريًا لضمان استقرار الاقتصاد.

الاستقرار الاقتصادي هو الهدف الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي. يرى الكثيرون أن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ضرورية لتحقيق هذا الهدف، وأن أي تدخل سياسي في عمله يمكن أن يقوض هذا الاستقرار.

في الختام، تظل تصريحات ترامب حول إقالة جيروم باول مثيرة للجدل والقلق. وبينما لم يتم اتخاذ أي إجراء رسمي حتى الآن، فإن هذه التصريحات تشير إلى استمرار التوترات بين الرئيس السابق ورئيس الاحتياطي الفيدرالي، وإلى احتمال حدوث تغييرات كبيرة في السياسة النقدية الأمريكية في المستقبل القريب. من المهم متابعة هذا التطور عن كثب، وتقييم تأثيره المحتمل على الاقتصاد العالمي.

شاركها.
Exit mobile version