تصاعد الاحتجاجات في تونس ضد “القمع والاستبداد”
شهدت العاصمة التونسية يوم السبت مسيرة حاشدة شارك فيها الآلاف من المواطنين للتعبير عن رفضهم ما وصفوه بـ”الظلم والقمع”، واتهموا الرئيس قيس سعيد بترسيخ حكم الفرد من خلال استغلال السلطة القضائية والأجهزة الأمنية. تأتي هذه الاحتجاجات في ظل تصاعد الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي أدت إلى حراك واسع يطال مختلف القطاعات، من الصحافة والأطباء وصولًا إلى البنوك والنقل العمومي، بالإضافة إلى مطالب بإغلاق مصنع كيميائي بسبب تلوثه البيئي. هذه التطورات تلقي بظلالها على مستقبل تونس، وتثير تساؤلات حول مسار الديمقراطية في البلاد.
مسيرة الغضب: “تونس سجن مفتوح”
ارتدى المتظاهرون ملابس سوداء، تعبيرًا عن الحزن والغضب حيال ما يرونه تحولًا في تونس نحو “سجن مفتوح”، ورفعوا لافتات تطالب بـ “كفى قمع” و “لا خوف ولا ترهيب، الشوارع للشعب”. وتميزت المسيرة بتوحيد جهود نشطاء المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، والأحزاب السياسية المنقسمة في مشهد نادر من الوحدة في وجه سياسات الرئيس سعيد.
الاحتجاجات لم تقتصر على العاصمة، بل امتدت إلى عدة مناطق أخرى في البلاد، مما يعكس حالة السخط الشعبي المتزايد. العديد من المشاركين عبروا عن شعورهم بالاختناق واليأس من الوضع الحالي، مطالبين بتغيير جذري في نظام الحكم.
تصعيد اللهجة: “إسقاط النظام”
خلال المظاهرة، ردد المتظاهرون هتافات قوية مثل “نحن نختنق!” و “كفى من الطغيان!” و “الشعب يريد إسقاط النظام!”، وهو تصعيد في اللهجة يعكس عمق الأزمة وفقدان الثقة في القيادة الحالية.
قال عز الدين الحزقي، والد السياسي المعتقل جوهر بن مبارك، لـ “رويترز”: “حَوَّل سعيد البلاد إلى سجن مفتوح، ولن نستسلم أبدًا”. هذا التصريح يمثل صدى لآمال وتطلعات العديد من العائلات التي تطالب بإطلاق سراح ذويها المعتقلين على خلفية سياسية.
اتهامات بالقمع والاستهداف
تتزايد الاتهامات الموجهة للرئيس سعيد بالقيام بحملة قمع ضد المعارضين، واستخدام القضاء والأجهزة الأمنية لخنق الأصوات الناقدة. الأحزاب السياسية المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، والصحفيون، يتهمون سعيد باستغلال صلاحياته لتعطيل عمل المؤسسات الديمقراطية وتقويض الحريات العامة.
في الشهر الماضي، أعلنت ثلاث منظمات بارزة لحقوق الإنسان عن تعليق أنشطتها من قبل السلطات بتهمة تلقي تمويلات أجنبية. منظمة العفو الدولية أكدت أن حملة القمع ضد منظمات حقوق الإنسان وصلت إلى مستويات حرجة، مع استمرار الاعتقالات التعسفية، وتجميد الأصول، وتقييد العمل المصرفي، وتعليق أنشطة ما يقرب من 14 منظمة غير حكومية. تعتبر هذه الإجراءات بمثابة تضييق على فضاء الحريات العامة وتهديد للاستقلال المدني. الحريات العامة أصبحت محل قلق بالغ لدى العديد من المراقبين.
المساس باستقلال القضاء
يرى المعارضون أن الرئيس سعيد قام بتدمير استقلال القضاء في البلاد. ففي عام 2022، قام بتجميد عمل المجلس الأعلى للقضاء وعزل العشرات من القضاة – وهي خطوات نددت بها المعارضة ومدافعو حقوق الإنسان باعتبارها انقلابًا على السلطة القضائية. هذه الإجراءات أثارت شكوكًا جدية حول نزاهة القضاء وقدرته على تحقيق العدالة.
غالبية قادة المعارضة والعشرات من المنتقدين يقبعون حاليًا في السجون، مما يزيد من حالة القلق والترقب في البلاد. بينما ينفي الرئيس سعيد بشدة أن يكون قد أصبح ديكتاتورًا أو أنه يستخدم القضاء ضدهم، مؤكدًا أنه يعمل على تنقية تونس من “الخونة”. هذا التصريح يثير جدلاً واسعًا حول تعريف “الخيانة” والمعايير التي يعتمدها الرئيس سعيد في تحديد خصومه.
تداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية
لا يمكن النظر إلى الاحتجاجات الحالية بمعزل عن الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس. فالبلاد تعاني من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وتدهور الخدمات الأساسية، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. هذه الظروف الصعبة ساهمت في تغذية الغضب والإحباط الشعبي، ودفع المواطنين إلى النزول إلى الشوارع للتعبير عن مطالبهم. الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد تتطلب حلولاً عاجلة وشاملة.
ختامًا، تشكل الاحتجاجات الأخيرة في تونس تصعيدًا خطيرًا للأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد. إنها تعبر عن حالة سخط شعبي متزايد تجاه سياسات الرئيس سعيد، وتثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والحريات العامة في تونس. من الضروري إجراء حوار وطني شامل يهدف إلى تحقيق مصالحة وطنية، وإخراج البلاد من هذا المأزق الحاد. تابعوا آخر التطورات في تونس لمعرفة المزيد حول هذه الأزمة المتفاقمة.


