يقف قطاع التعدين العالمي على وشك حدوث تغيير جوهري، حيث يستعد لعقد من الزمن سيحتاج فيه إلى استثمار 6 تريليون دولار، وفقًا لوزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي. وفي هذا المزيج العالمي، تبرز منطقة الشرق الأوسط كدولة رائدة في الابتكار والاستدامة في مجال التعدين، لا سيما في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.
لقد ألهمتني زياراتي للعديد من شركات التعدين في قطر، وكذلك ذكرياتي عن قطاع التعدين، كما هو الحال الآن في قطر، وهي دولة غنية بالموارد ولكنها تحتاج أيضًا إلى مساحة كبيرة من التحديث السريع بشكل عام.
منطقة غنية بالإمكانيات
إن منطقة الشرق الأوسط، المعروفة تاريخياً باحتياطياتها الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي، بدأت الآن في تحقيق ثروتها غير المستغلة من المعادن. رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وهي خطة استراتيجية تهدف إلى تقليل اعتماد البلاد على النفط، تضع التعدين في قلب خططها لتعزيز الروافع المتنامية للاقتصاد.
إن الاحتياطيات المعدنية غير المستغلة في المملكة – والتي تقدر قيمتها بنحو 1.3 تريليون دولار، بما في ذلك الذهب والفوسفات والعناصر الأرضية النادرة – تتحدى السرد التاريخي للمنطقة المتمثل في عدم إمكانية الوصول إليها، وتسلط الضوء على المساهمات المحتملة في سلاسل التوريد العالمية.
يقرأ: المملكة المتحدة توقع شراكة معدنية مع السعودية
لقد اقتدت قطر بصفحة من قواعد اللعبة التي تمارسها دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك باستخدام قوتها التكنولوجية والمالية لوضع نفسها كمركز إقليمي للابتكار في مجال التعدين. ستعمل مبادرات التعدين المخطط لها في قطر على تنويع اقتصادها، حيث كانت البلاد تقليديًا أكثر تركيزًا على الغاز الطبيعي. قدمت رحلتي إلى حقول التعدين في قطر لمحة أولى عن الجهود الواعية التي تبذلها البلاد لتحقيق التوازن بين الاستخراج وجهود الاستدامة.
تغيير قواعد اللعبة في التحول الرقمي
ستقود دول الشرق الأوسط التحول الرقمي الذي سيميز التعدين في عام 2025. تعمل الابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والتعلم الآلي، وتقنية blockchain على تغيير الطرق التي يتم من خلالها اكتشاف الموارد واستخراجها والاستفادة منها. فالتوائم الرقمية، وهي نسخ افتراضية لعمليات التعدين الحقيقية، تسمح بالصيانة التنبؤية وكفاءة التشغيل، مما يوفر المال ويحد من الأضرار البيئية.
بدأت المملكة العربية السعودية بالفعل في استخدام خرائط الموارد المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتعظيم جهود الاستكشاف. وكما أشار كلاوس شواب في كتابه “الثورة الصناعية الرابعة”، فإن سرعة الإنجازات الحالية ليس لها سابقة تاريخية. وعلى عكس الثورات الصناعية السابقة، فإن الثورة الرابعة تتطور بوتيرة أسية وليس بوتيرة خطية. وينعكس هذا في قطاع التعدين حيث تعمل التقنيات الجديدة على تحقيق التنمية الاقتصادية بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
يتم استخدام تقنية Blockchain في دولة الإمارات العربية المتحدة للحفاظ على الشفافية في سلسلة التوريد ليس فقط لمعالجة القضايا الأخلاقية ولكن أيضًا لتعزيز الثقة في الشركاء الدوليين. وكما أكد دون تابسكوت في كتاب ثورة البلوكشين، فإن “البلوكتشين لا تُحدث ثورة في الاقتصاد فحسب، بل إنها ثورة في الطريقة التي نفكر بها في الثقة نفسها”. أصبح هذا الابتكار أكثر أهمية حيث يطالب المستثمرون العالميون بإدراج معايير ESG (البيئية والاجتماعية والحوكمة) في عملية صنع القرار الخاصة بهم.
الاستدامة في المركز
تعتبر الاستدامة عاملاً أساسيًا في التحول في قطاع التعدين الذي يعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط.
وفي رحلتي الأخيرة إلى قطر، اطلعت على أنظمة إعادة تدوير المياه لديهم، والطاقة المتجددة الداخلية في عمليات التعدين، وكلها مؤشرات على التحرك نحو الاستدامة.
تقود شركة قطر للتعدين (QM)، إحدى أكبر شركات التعدين في العالم، الجهود المبذولة لخفض انبعاثات الكربون من خلال الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية في تعدين الفوسفات. ويتجلى هذا الالتزام بالخضرة في جميع الأهداف النهائية لرؤية 2030.
يقرأ: تنضم تركيا إلى مجموعة المعادن المهمة التي يقودها الغرب في محاولة لتعزيز دورها في سباق المعادن العالمي
التعاون الإقليمي والعواقب الجيوسياسية
كما تعمل طموحات التعدين في الشرق الأوسط على تعزيز التعاون في جميع أنحاء المنطقة. تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على توحيد القوى والمعرفة لتشكيل استراتيجية تعدين مشتركة. ويتضمن ذلك أيضًا مشاركة أفضل الممارسات في مجال التحول الرقمي والاستدامة، مما يضع المنطقة إلى جانب أفضل دول العالم في مجال التعدين.
لكن العقبات الجيوسياسية لا تزال قائمة. ومن الممكن أن تؤثر السياسات المتعددة الأوجه في المنطقة أيضاً على الاستقرار المطلوب للاستثمارات الأطول أمداً. علاوة على ذلك، فإن التنافس فيما بينهم على الاستثمار الأجنبي قد يؤدي أيضًا إلى توترات بين دول الشرق الأوسط. وسيحتاج حل هذه المشكلات إلى استجابة موحدة وجهد تعاوني، وذلك باستخدام أمثال منتدى معادن المستقبل الذي يعقد سنويًا في الرياض.
التعليم العالمي وتنمية القوى العاملة
تتطلب صناعة التعدين المتحولة رقميًا قوة عاملة ماهرة. تستثمر دول الشرق الأوسط في برامج التعليم والتدريب لإعداد مواطنيها. وسيتم ذلك من خلال الشراكات مع أفضل المؤسسات العالمية وإنشاء أكاديميات التعدين المحلية.
وفي قطر، تحدثت مع خبراء محليين سلطوا الضوء على الحاجة إلى الجمع بين المعرفة التقليدية والتكنولوجيا الجديدة. تتيح هذه الطريقة للقوى العاملة في مجال التعدين في المنطقة أن تكون مبتكرة وذات أسس ثقافية أيضًا.
الطريق أمامنا
وفي عام 2025، سيكون قطاع التعدين في الشرق الأوسط انعكاساً لقدرة المنطقة على التطور والابتكار. ومن خلال التركيز على التحول الرقمي والاستدامة والتعاون الإقليمي، تعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر من بين اللاعبين الرائدين الذين يمهدون الطريق للتعدين المسؤول على نطاق عالمي.
وبينما أجلس وأتأمل في تجربتي في قطر – وأوسع نطاق مشاركتي في قطاع التعدين في الشرق الأوسط – أتذكر كلمات الرومي: “حاول ألا تقاوم التغييرات التي تأتي في طريقك. وبدلاً من ذلك، اسمح للحياة أن تعيش من خلالك. وتوقف عن القلق وكأن حياتك تدور في كل الإتجاهات. كيف تعرف أن جانبك أفضل من الجانب الذي أنت عليه الآن؟
يعد التعدين التحويلي في المنطقة بمثابة عملية تكيف وفرصة. إنها قصة مرونة وابتكار، لا تؤثر على الشرق الأوسط فحسب، بل على مستقبل التعدين في كل مكان.
رأي: ليبيا تعاني من مشكلة المياه رغم وفرة “الذهب الأسود”
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.
الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.