وعندما يتحدث بنيامين نتنياهو عن «تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط»، فإنه يشير إلى أهداف سياسية وعسكرية تتعلق بتعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية وتغيير ميزان القوى في المنطقة لجعله لصالح إسرائيل. ويسعى نتنياهو إلى تغيير الواقع الاستراتيجي بما يجعله أكثر أمنا واستقرارا بالنسبة لإسرائيل في ظل التهديدات المتعددة التي تواجهها، سواء من حركات المقاومة الفلسطينية أو حزب الله في لبنان أو إيران أو حتى التحولات الجيوسياسية في المنطقة. وفيما يلي أهم النقاط التي قد يقصدها نتنياهو عندما يشير إلى تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط:

القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية

القضاء على تهديد حماس والجهاد الإسلامي: يرى نتنياهو أن تغيير الواقع الاستراتيجي يبدأ بإزالة التهديدات العسكرية التي تواجه إسرائيل من غزة والضفة الغربية. إن تكرار العمليات العسكرية في غزة والأراضي الفلسطينية يهدف إلى الحد من قدرات حماس والجهاد الإسلامي، من خلال تدمير بنيتهما التحتية العسكرية وتجفيف مصادر دعمهما.

رأي: عواقب تجاهل خطة التقسيم 1947 ونكبة 1948

– فرض الحلول السياسية التي تناسب إسرائيل: كما يسعى نتنياهو إلى فرض شروط سياسية تضعف أو تقضي على مشروع الدولة الفلسطينية أو تجعلها ضعيفة ومنزوعة السلاح، مما يمنح إسرائيل حرية التحرك الاستراتيجي في الأراضي الفلسطينية.

السيطرة على النفوذ الإيراني في المنطقة

الحد من التوسع الإيراني: بالنسبة لنتنياهو، تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط يعني كبح النفوذ الإيراني في الدول المجاورة مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن. وتعتبر إيران التهديد الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل من خلال دعمها لحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، وكذلك من خلال طموحاتها النووية.

تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية لمواجهة إيران: يسعى نتنياهو إلى بناء تحالفات إقليمية مع الدول العربية، وخاصة دول الخليج، لمواجهة إيران. التطبيع مع دول مثل الإمارات والبحرين والسعودية هو جزء من استراتيجية إسرائيل لتغيير الواقع الإقليمي وإنشاء محور ضد إيران.

تعزيز التطبيع مع الدول العربية

توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم: تغيير الواقع الاستراتيجي يشمل مواصلة العمل على اتفاقات إبراهيم لتوسيع نطاق التطبيع مع الدول العربية. وتهدف إسرائيل إلى تحسين علاقاتها مع دول عربية جديدة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، لتشكيل تحالف استراتيجي ضد القوى الإقليمية التي تعارض إسرائيل، مثل إيران وحزب الله.

عزل المقاومة الفلسطينية إقليمياً: تسعى إسرائيل من خلال تطبيع العلاقات مع الدول العربية إلى عزل حركات المقاومة الفلسطينية دبلوماسيا، وجعلها أقل تأثيرا في المعادلة الإقليمية، مع تعزيز شرعيتها الإقليمية.

العمل ضد البرنامج النووي الإيراني

منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية: تغيير الواقع الاستراتيجي بالنسبة لنتنياهو يشمل أيضاً اتخاذ إجراءات سياسية أو عسكرية لمنع إيران من الوصول إلى القدرة النووية العسكرية. وقد يشمل ذلك استمرار الضغوط الدولية أو حتى العمليات العسكرية، إذا لزم الأمر، بهدف تدمير البرنامج النووي الإيراني.

التنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها: تعتمد إسرائيل على التعاون مع الولايات المتحدة في هذا السياق، وتسعى إلى بناء تحالف دولي أكبر لممارسة الضغط على إيران. وتحقيق هذا الهدف يشكل خطوة كبيرة في تغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة لصالح إسرائيل.

رأي: مؤتمر مدريد للسلام، الجزء الثاني: تحدي السياسة الأمريكية الفاشلة في الشرق الأوسط

ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي

التفوق التكنولوجي والعسكري: تسعى إسرائيل، من خلال عملها المستمر على تطوير قدراتها العسكرية، إلى ضمان كونها القوة العسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط. فالتفوق العسكري يمكّن إسرائيل من مواجهة أي تهديدات محتملة من دول أو فصائل معادية.

الحفاظ على الدعم الأمريكي: تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي. إن استمرار تلقي هذا الدعم يمكّن إسرائيل من الحفاظ على تفوقها في المنطقة، وهو عنصر مهم في تحقيق تغيير استراتيجي طويل المدى.

إعادة تشكيل الحدود والهيمنة الإقليمية

– الحد من التهديدات الحدودية: تغيير الواقع الاستراتيجي قد يشمل إعادة رسم الحدود أو تأمينها بشكل يمنع التهديدات المباشرة لإسرائيل، سواء من غزة أو لبنان أو سوريا. إن السيطرة على هضبة الجولان وزيادة التواجد العسكري على الحدود مع لبنان وسوريا، جزء من استراتيجية نتنياهو لتعزيز الوضع الأمني.

السيطرة على مناطق في الضفة الغربية: السعي لضم المستوطنات الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية قد يكون جزءا من تغيير الواقع الاستراتيجي. إن السيطرة على هذه المناطق تمنح إسرائيل نفوذاً استراتيجياً في إدارة الصراع مع الفلسطينيين وتضعف إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

التحولات الجيوسياسية في المنطقة

استغلال الانقسامات الداخلية في الوطن العربي: يسعى نتنياهو إلى استغلال الانقسامات والصراعات الداخلية في الدول العربية، سواء في سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا أو السودان أو الصومال، لضمان عدم تمكن هذه الدول من تشكيل تهديد استراتيجي لإسرائيل في المستقبل القريب.

استخدام الصراعات الإقليمية لصالح إسرائيل: قد تستغل إسرائيل الصراعات الإقليمية مثل الحرب في سوريا أو اليمن لتأمين حدودها أو تعزيز تحالفاتها مع القوى الإقليمية ضد عدو مشترك مثل إيران.

إضعاف المنظمات المسلحة غير الحكومية

استهداف حزب الله وحماس: تغيير الواقع الاستراتيجي يشمل أيضاً إضعاف المنظمات المسلحة غير الحكومية التي تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل. ويأتي حزب الله في لبنان وحماس في غزة على رأس قائمة الأعداء الذين تسعى إسرائيل إلى تقليص قدراتهم العسكرية والسياسية.

رأي: إسرائيل تخرج عن نطاق السيطرة وهي تدفع العالم نحو الهاوية النووية

الهجمات الوقائية والاغتيالات: تعتمد إسرائيل على أساليب الاغتيال والهجمات الوقائية ضد القيادات العسكرية لهذه التنظيمات لتقليص قدراتها وإيجاد توازن رادع على الجبهتين الشمالية والجنوبية.

الردع وتجنب الحروب طويلة الأمد

الردع الاستراتيجي: هدف نتنياهو هو بناء قدرات ردع قوية تمنع أعداء إسرائيل من محاولة شن هجمات على أراضيها. ومن خلال التفوق العسكري والعمليات الوقائية، تسعى إسرائيل إلى تجنب الدخول في حروب طويلة الأمد يمكن أن تكون مكلفة وتؤدي إلى خسائر فادحة.

تغيير قواعد الاشتباك: باستخدام العمليات العسكرية والتدخلات الإقليمية، تسعى إسرائيل إلى إعادة تحديد قواعد الاشتباك مع أعدائها، مما يسمح لها بتوجيه ضربات موجعة دون التصعيد إلى حرب واسعة النطاق.

إعادة هيكلة التحالفات الدولية

تعزيز العلاقات مع القوى العالمية: يسعى نتنياهو إلى تعزيز علاقات إسرائيل مع القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، فضلا عن توسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع القوى الناشئة مثل الصين والهند. وهذا التحالف مع القوى العالمية الكبرى يمنح إسرائيل نفوذاً استراتيجياً عالمياً.

وفي الختام، عندما يتحدث نتنياهو عن «تغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط»، فإنه يسعى إلى تأمين مكانة إسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة من خلال إضعاف أعدائها، سواء كانوا دولاً مثل إيران أو جماعات مسلحة مثل حماس وحزب الله. كما يهدف إلى تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية وتطبيع العلاقات مع الدول العربية وضمان التفوق العسكري الإسرائيلي لعقود قادمة. فهل ينجح في ذلك في ظل الصعوبات التي تواجه إسرائيل والعقبات التي تواجه المشروع الأميركي الذي تنتمي إليه؟

ظهر هذا المقال باللغة العربية في عربي21 في 3 أكتوبر 2024.

الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.

الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.
شاركها.
Exit mobile version