مرة أخرى، فشلت دعوات ما أسمته وسائل الإعلام حركة “جمعة الكرامة” للتظاهر في مصر لإسقاط نظام عبد الفتاح السيسي في إخراج الناس إلى الشوارع. وهذا ليس مفاجئًا، فقد تكررت مثل هذه الدعوات عدة مرات على مدى السنوات الخمس الماضية، وكانت النتيجة دائمًا واحدة: لم يخرج أحد إلى الشوارع.
إن لكل حركة أسبابها ودوافعها، ولكل تغيير سياسي أو شعبي مقومات نجاحه، ولكل نظام طريقة مختلفة في التعامل مع غضب الشعب وحركة النخب السياسية والإعلامية. ومن يتابع الشأن المصري يجد أن كل أسباب الغضب حاضرة وقوية ولا لبس فيها، فالكهرباء تنقطع لساعات طويلة، ولا يوجد بيت في مصر لا يعاني من الحر الشديد بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وحالات الوفاة اختناقاً داخل المصاعد في العمارات السكنية في مصر تتزايد، وآخرها وفاة طفل في التاسعة من عمره.
لقد انخفضت إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، مما أدى إلى توقف مصانع البتروكيماويات والأسمدة عن الإنتاج. وهذا يتسبب في ارتفاع كبير في أسعار الأسمدة وبالتالي المحاصيل. لقد فوجئ المصريون العاديون بارتفاع مفاجئ وكبير في الأسعار، حيث زادت أسعار السلع الغذائية الأساسية مثل الطماطم والأرز بنسبة تزيد عن 50%.
يقرأ: مصر تخطط لتقليص الاعتماد على الغاز الإسرائيلي
تتزايد وتيرة القمع وتؤثر على أغلب المصريين.
في الأسبوع الماضي فقط، انفجرت الأصوات العامة غاضبة بسبب وفاة لاعب كرة القدم المصري أحمد رفعت وفضائح مماثلة تورط فيها مسؤولون ورجال أعمال وإعلاميون لهم علاقة مباشرة بجهاز المخابرات العامة المصري. والآن يدور الحديث في الشارع المصري حول الطرف المسؤول الذي يحاول صرف الاتهامات عنهم.
قبل أيام حاولت لاعبة الدراجات المصرية شهد سعيد إيذاء زميلتها في المنتخب الوطني جنة عليوة بالاصطدام بها عمدًا لمنعها من المشاركة في أولمبياد باريس 2024، ونجحت في ذلك، وأعلنت البعثة الأولمبية المصرية مشاركة شهد سعيد في الأولمبياد، ما دفع الناس للتساؤل عمن سيحميها، وتبين أنها تمثل المؤسسة العسكرية ويدعمها الجيش، فلا أحد يستطيع منافستها.
وسط غضب مصري عام إزاء مثل هذه الحوادث، فاجأ محافظ الدقهلية الجديد الجميع بارتكاب عدة مخالفات قانونية بحق سيدة مصرية فقيرة، حيث كانت تشتري الخبز من أحد المخابز، ليتعقبها المحافظ ويقتحم منزلها دون إذن من أي جهة قانونية، ويصورها هي وزوجها ويبث مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يستولي على الخبز الموجود بالمنزل.
وتبين لاحقا أن هذا المحافظ هو اللواء طارق مرزوق مساعد أول وزير الداخلية الأسبق لشئون مصلحة السجون، والمسؤول الأول عن حالات التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والإهمال الطبي التي شهدتها السجون المصرية خلال السنوات الماضية.
أسباب الغضب الشعبي ضد السيسي ونظامه واضحة وكثيفة، ولا تكفي مقالة واحدة لسردها بالتفصيل، فقد طالت الجميع، الأغنياء والفقراء على حد سواء، الساسة والإعلام، النخب وحزب الكنبة، أصبح الجميع مقهورين ومهيمنين، عاجزين عن الكلام، يبحثون عن فرصة للهجرة، حتى لو كانوا قد تجاوزوا الثمانين من العمر، كما حدث مع الدكتور حسن نافعة، الذي يحاصره نظام السيسي الذي يرفض منحه حتى رخصة قيادة.
إن حق التظاهر حق دستوري وقانوني يستطيع من خلاله المواطنون المصريون التعبير عن آرائهم ورفض سياسات النظام.
لكن في عهد السيسي أصبح هذا الحق جريمة يعاقب عليها القانون، ويتعرض من يمارس هذا الحق للاختفاء القسري والسجن لسنوات بتهم ملفقة.
كل الدعوات السابقة للتظاهرات جاءت من أفراد، إما نشطاء في الخارج أو مقاطع فيديو لأشخاص مجهولين ادعوا أنهم داخل مصر، وهو ما حدث في الدعوة الأخيرة. ولست أستخدم مصطلح الثورة هنا لأن الثورات لا تحدث في تاريخ محدد، بل هي أفعال تراكمية يصاحبها عنصر المفاجأة، وتنضم الجماهير إلى من بدأ الحراك وتتحول إلى ثورة، وهذا ما حدث في الخامس والعشرين من يناير 2011.
لكي تنجح أي حركة لابد أن يكون هناك من يساندها ويؤمن بها ويحشد لها المؤيدين ليكونوا بمثابة الشرارة التي تكسر حاجز الخوف وتبدأ الهتافات، فتلتحق بها الجماهير، فتتحول إلى كتلة صلبة يصعب كسرها أو التعامل معها بعنف على المستوى الأمني، ومثل هذا الحزب أو التنظيم غير موجود في مصر الآن لأن السيسي قمع الجميع منذ عشر سنوات ومازال.
ولابد أن تتكاتف القوى السياسية المصرية داخليا وخارجيا من جديد لخلق زخم سياسي وإعادة بناء قواعدها الشعبية، مستغلة الغضب الشعبي المتزايد حاليا ضد السيسي ونظامه. وبدون هذه الرافعة السياسية لن تنجح أي حركة على الإنترنت، ولن تتحول القنوات الفضائية إلى أحزاب سياسية تدعو الناس إلى النزول إلى الشارع دون قيادة أو تنظيم أو هدف واضح.
ترجمت من عربي2113 يوليو 2024
يقرأ: موقع إعلامي إسرائيلي يحذر: مصر تستعد لحرب أخرى مثل حرب يوم الغفران
الآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل إيست مونيتور.