أنا لست عرافة، وبطبيعة الحال، لا أعرف المستقبل – الله وحده يعلم ذلك – ولكنني أعرف كيف تقدمت الثورات في جميع أنحاء العالم عبر التاريخ، من صعودها إلى سقوطها. «الثورة السورية كشفت غدر وخيانة المقربين منها، لكن القصة لم تكتمل؛ لم تُكتب النهاية بعد”، كتبت في آذار/مارس بمناسبة ذكرى الثورة السورية. «الثورات كالحروب لها منعطفات كثيرة حتى تأتي الساعة الحاسمة ويسدل الستار. فلا يغركم الجزار الأسد ببقائه رئيساً. إن شعلة الثورة مشتعلة في ضمير كل سوري حر، تنتظر اللحظة التي تشتعل فيها من جديد على الأرض.
هكذا أنهيت مقالتي. كنت قد تأملت المشهد الثوري في سوريا بعمق، وشاهدت الضغوط الداخلية التي يعيشها الشعب السوري، وعنف وطغيان وإجرام النظام الوحشي لحزب البعث السوري بقيادة بشار الأسد. وتوضحت لي الرؤية، وأيقنت أن هذا الشعب المظلوم والجريح سيشفى جراحه سريعا وينهض لاستكمال الثورة بعد أن اجتمع الشرق والغرب والقريب والبعيد على إحباطها. اهتزت الأرض تحت أقدام القاتل الأسد، وكان على وشك الانهيار لولا التدخل الإيراني والروسي.
سيسجل التاريخ يوم الجمعة 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، يوماً لا يُنسى، ليس في سوريا فحسب، بل في سجلات الثورات أيضاً.
تمكن الثوار السوريون الأحرار من تحرير مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا وأكبر مدنها، والتي تعرضت لضغوط شديدة منذ استيلاء الأسد الأب على السلطة عام 1970.
وفي عام 2016، كان الثوار السوريون قد سيطروا على حلب بشكل كامل، قبل أن يقوم الحرس الثوري الإيراني بقيادة الراحل قاسم سليماني، بقتل وذبح السوريين، وإحراق كل شيء وتسويته بالأرض، وتشريد أهالي حلب الذين نجوا من المذبحة، واستبدالهم بآخرين. ميليشيات شيعية من إيران ولبنان (حزب الله) والعراق (قوات الحشد الشعبي) وأفغانستان.
يقرأ: اندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة في محافظة السويداء السورية
لذا كان تحرير حلب ضرورياً لإعادة التوازن في معالجة القضية السورية بعد أن شعر الرئيس القاتل أن الوضع استقر وأن الأمور أصبحت لصالحه. لقد عاد إلى التعامل مع العالم العربي والإسلامي ودعوته لحضور القمم الكبرى بعد عشر سنوات من العزلة والنبذ داخل قصره وبعيداً عن شعبه.
أعاد تحرير حلب التأكيد على ضرورة الحل السياسي في سوريا بدلاً من الحل العسكري والأمني الذي يفرضه النظام الوحشي، حيث تمثل المدينة ربع سكان سوريا وثلث الاقتصاد السوري. وبالتالي فإن خروجها من سيطرة النظام يجعل النظام مرتبكاً وضعيفاً في نظر الشعب السوري، وخاصة مؤيديه العلويين. وينظر إليها على أنها ضعيفة وغير قادرة على حكم سوريا رغم سيطرتها النسبية منذ عام 2020، مما يجعل حل معضلة احتكار عائلة الأسد للسلطة أمرا ملحا.
فاجأت المعارضة السورية الجميع بهجومها المكثف على قوات النظام، والذي وصفته بـ”ردع العدوان”، رداً على القصف المدفعي الذي شنه النظام على دمشق. وهو ما أثار تساؤلات كثيرة حول توقيته، وسرعة تحرك قوات المعارضة ضد النظام، وسيطرتها على حلب ومناطق في حماة وإدلب وغيرها، خاصة أن هذا الهجوم انطلق عشية إعلان الكيان الصهيوني ووافق حزب الله على وقف إطلاق النار في لبنان. ولهذا سعى البعض إلى ربط انطلاقة المعارضة لمعركة توسيع نطاق سيطرتها بانتهاز فرصة الحضور الضعيف لحزب الله في سوريا للدفاع عن نظام الأسد، فضلاً عن انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا. لقد كانت فرصة نادرة للمعارضة.
تحرير حلب كشف هشاشة المحور الإيراني الذي تسلل إلى سوريا وشكل دولة داخل الدولة.
لم تعد قوات الدولة السورية خاضعة لسيطرة النظام، وأصبح الأسد شبحًا عديم الفائدة. ولا شك إذن أن تحرير حلب هو بداية مشروع إعادة بناء سوريا كدولة تسير وفق القوانين والمواثيق الدولية. ومن غير المعقول أن تسيطر الأطراف على سوريا بمعزل عن التعريف القانوني للدولة المستقلة.
وتواجه سورية والمنطقة تحدياً كبيراً يتطلب تعاوناً إقليمياً وعربياً ودولياً لفرض الاستقرار وإعادة إيران إلى حدودها بعد أن ساهمت في إثارة الفتنة في العالم العربي. وكان أيضاً سبباً في تدمير سوريا والعراق ولبنان واليمن. هل سيكون تحرير حلب مؤشراً على إعادة ترتيب الحضارة في جميع أنحاء المنطقة؟ أطرح السؤال بأمل ودرجة من التفاؤل.
يقرأ: فصيل مدعوم من الولايات المتحدة يبدأ عملية للسيطرة على أجزاء من شرق سوريا
الآراء الواردة في هذا المقال مملوكة للمؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لميدل إيست مونيتور.
الرجاء تمكين جافا سكريبت لعرض التعليقات.