في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر بوادر تعافٍ اقتصادي في سوريا، تفوق التوقعات السابقة. فبعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية، هناك مؤشرات إيجابية تشير إلى نمو اقتصادي بوتيرة أسرع بكثير من تقديرات البنك الدولي. هذا التحول المفاجئ يفتح الباب أمام إعادة إحياء الاقتصاد السوري وإعادة تقييم مستقبل البلاد. محور هذه المقالة هو تحليل هذا النمو الاقتصادي في سوريا وتأثيره المحتمل.
عودة الحياة إلى الاقتصاد السوري: أرقام مُبشرة
تصريحات لمحافظ البنك المركزي السوري، عبد القادر حسري، لـ “رويترز نيكست” كشفت عن أن الاقتصاد السوري يشهد نموًا يتجاوز بكثير تقديرات البنك الدولي التي وضعتها عند 1% لعام 2025. الدافع الرئيسي وراء هذا النمو الملحوظ هو عودة تدفق اللاجئين السوريين إلى وطنهم بعد انتهاء حرب أهلية استمرت 14 عامًا.
هذه العودة ليست مجرد حدث إنساني، بل هي محرك اقتصادي قوي. عودة السكان تعني زيادة في الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي تحفيز الإنتاج المحلي. كما أنها توفر قوة عاملة ضرورية لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة وإعادة تشغيل المصانع والشركات.
دور إعادة الإعمار في تعزيز النمو
إعادة الإعمار هي عنصر أساسي في هذا التحول الاقتصادي. فبعد سنوات من الدمار، هناك حاجة ماسة إلى الاستثمار في البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمدارس والمستشفيات وشبكات الكهرباء والمياه. هذا الاستثمار سيخلق فرص عمل جديدة ويحفز النمو في قطاعات البناء والتشييد والمواد الخام. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة الإعمار ستجذب الاستثمارات الأجنبية، مما سيعزز الاقتصاد السوري بشكل أكبر.
خطط لإعادة إطلاق العملة السورية
بالتزامن مع النمو الاقتصادي، أعلن المحافظ حسري عن خطط لإعادة إطلاق العملة السورية. هذه الخطوة تأتي في إطار جهود البنك المركزي السوري لاستعادة الثقة في العملة الوطنية وتحقيق الاستقرار المالي.
الهدف من إعادة إطلاق العملة هو تقليل التضخم، الذي كان يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد السوري لسنوات طويلة. من خلال سحب العملة القديمة وإصدار عملة جديدة، يأمل البنك المركزي في التحكم في المعروض النقدي وتقليل الضغط على الأسعار.
اتفاق مع فيزا لتبسيط المدفوعات الرقمية
خطوة أخرى مهمة في هذا الاتجاه هي اتفاقية مع شركة فيزا لإنشاء أنظمة دفع رقمية في سوريا. هذه الاتجاه نحو المدفوعات الرقمية سيسهل المعاملات التجارية ويشجع الاستثمار الأجنبي. فهو يوفر طريقة آمنة وفعالة لإجراء المدفوعات، ويقلل من الاعتماد على النقد الذي يمكن أن يكون عرضة للتضخم والتزوير.
تعاون مع صندوق النقد الدولي لتحسين البيانات الاقتصادية
أشار المحافظ حسري أيضًا إلى أن سوريا تتعاون مع صندوق النقد الدولي لتطوير طرق دقيقة لقياس البيانات الاقتصادية. هذا أمر بالغ الأهمية لتقييم الوضع الاقتصادي بشكل صحيح واتخاذ قرارات مستنيرة. فبدون بيانات دقيقة، من الصعب تحديد نقاط القوة والضعف في الاقتصاد ووضع خطط فعالة للنمو والتنمية.
هذا التعاون لا يعني بالضرورة الحصول على قروض أو مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي في الوقت الحالي، ولكنه يمثل خطوة إيجابية نحو إعادة دمج سوريا في النظام الاقتصادي العالمي.
التحديات التي تواجه النمو الاقتصادي في سوريا
على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، لا يزال الوضع الاقتصادي في سوريا يواجه العديد من التحديات. هذه التحديات تشمل:
- العقوبات الاقتصادية: لا تزال العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تمثل عائقًا كبيرًا أمام النمو الاقتصادي. فهي تحد من قدرة سوريا على التجارة مع الدول الأخرى وجذب الاستثمارات الأجنبية.
- البنية التحتية المتضررة: على الرغم من بدء جهود إعادة الإعمار، إلا أن البنية التحتية في سوريا لا تزال متضررة بشكل كبير. هذا يعيق النمو الاقتصادي ويجعل من الصعب على الشركات العمل بكفاءة.
- الأزمة الإنسانية: لا تزال سوريا تعاني من أزمة إنسانية كبيرة. هناك ملايين الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الغذائية والطبية والإسكان. هذه الأزمة تمثل عبئًا على الاقتصاد وتعيق جهود التعافي.
- الفساد: يعتبر الفساد تحديًا كبيرًا في سوريا. فهو يقوض الثقة في الحكومة ويعيق الاستثمار الأجنبي.
مستقبل الاقتصاد السوري: نظرة متفائلة بحذر
بشكل عام، فإن النمو الاقتصادي في سوريا يبدو واعدًا، خاصة مع عودة اللاجئين وجهود إعادة الإعمار. ومع ذلك، من المهم أن نكون حذرين ومتفائلين في الوقت نفسه. فالتحديات التي تواجه الاقتصاد السوري لا تزال كبيرة، ويتطلب التغلب عليها جهودًا مكثفة من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
إذا تمكنت سوريا من التغلب على هذه التحديات، فمن الممكن أن تشهد نموًا اقتصاديًا مستدامًا وتحسينًا في مستويات معيشة المواطنين. يتطلب ذلك أيضًا تحسين المناخ الاستثماري، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة. من الضروري متابعة التطورات الاقتصادية في سوريا عن كثب لتقييم فرص الاستثمار والمساعدة في بناء مستقبل أفضل للبلاد.

