في خطوة تاريخية نحو إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي، أعلن مصرف سوريا المركزي إرسال رسالته الأولى عبر نظام سويفت إلى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك. هذه الخطوة، التي تأتي بعد سنوات من العزلة المالية، تحمل في طياتها آمالاً كبيرة في جذب الاستثمارات الضرورية لإعادة إعمار سوريا المتضررة من الحرب، وفتح قنوات جديدة للتعاملات المالية مع المؤسسات الغربية. يمثل استئناف سوريا التعاملات عبر سويفت نقطة تحول هامة في مساعيها الاقتصادية، خاصةً مع الحاجة الماسة لتحويلات مالية ضخمة لدعم عملية التعافي الاقتصادي في سوريا.

عودة سوريا إلى شبكة سويفت: بداية جديدة؟

أكد محافظ مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حسري، في تصريحات لوكالة رويترز أن الرسالة الأولى كانت بمثابة “تحية” لجميع البنوك المراسلة الدولية، بدءًا بالاحتياطي الفيدرالي. وأضاف: “نحن نبلغهم بأننا عدنا إلى النظام المالي الدولي، ونتطلع إلى علاقات تجارية طويلة الأمد”. هذه العودة تعتبر إنجازاً كبيراً، حيث كانت سوريا معزولة عن نظام سويفت منذ عام 2011 كجزء من العقوبات الدولية.

أهمية نظام سويفت للقطاع المالي

نظام سويفت (SWIFT) هو نظام عالمي للاتصالات المالية الآمنة بين البنوك والمؤسسات المالية، وهو ضروري لإجراء المعاملات الدولية. بدون الوصول إلى سويفت، يصبح من الصعب للغاية على سوريا تلقي المدفوعات من الخارج، أو إجراء مدفوعات للشركات والموردين الأجانب. العودة إلى هذا النظام تفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التجارة الخارجية، وتحسين القدرة على التعامل مع الديون والالتزامات المالية.

تحديات إعادة الإعمار والتمويل

إن حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية السورية هائل، ويتطلب موارد مالية ضخمة لإعادة الإعمار. تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة بناء سوريا قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات. لذلك، فإن الوصول إلى التمويل الدولي هو أمر بالغ الأهمية. تحتاج سوريا إلى جذب استثمارات من القطاع الخاص، بالإضافة إلى الحصول على قروض ومنح من المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة.

دور البنوك المراسلة في تسهيل التحويلات

ويمثل إقناع البنوك المراسلة الغربية بالتعامل مع المصرف المركزي السوري تحديًا كبيراً. العديد من هذه البنوك تتردد بسبب المخاوف المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى العقوبات الثانوية التي قد تتعرض لها. حسبان على سوريا إثبات التزامها بمعايير مكافحة الجرائم المالية وتعزيز الشفافية في النظام المصرفي. يساهم نجاح هذه الخطوات بشكل كبير في تعزيز الاستثمار في سوريا.

ردود الفعل الدولية وتوقعات المستقبل

الخطوة التي أقدم عليها مصرف سوريا المركزي أثارت ردود فعل متباينة على الصعيد الدولي. بعض الدول والمنظمات الدولية، خاصةً تلك التي تدعم جهود الإغاثة الإنسانية والتنمية في سوريا، رحبت بالعودة إلى سويفت، معتبرة إياها خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

بينما عبرت دول أخرى عن قلقها، وحثت المؤسسات المالية على توخي الحذر والتأكد من عدم استخدام النظام لإجراء معاملات غير قانونية. تعتبر هذه القضية حساسة للغاية، حيث أنها مرتبطة مباشرة بالوضع السياسي والأمني في سوريا.

دعم القطاعات الاقتصادية المتضررة ورفع مستوى المعيشة

الاستفادة الكاملة من العودة إلى سويفت تتطلب جهوداً متواصلة لتطوير القطاعات الاقتصادية المتضررة، مثل الصناعة والزراعة والسياحة. يجب على الحكومة السورية تبني سياسات اقتصادية تشجع على الاستثمار وتهيئة بيئة أعمال جاذبة. بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على توفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين السوريين. تعتبر هذه العودة فرصة لتعزيز التنمية المستدامة في سوريا.

في الختام، تمثل عودة سوريا إلى شبكة سويفت خطوة مهمة على طريق التعافي الاقتصادي. لكن هذه الخطوة ليست سوى البداية، ولا بد من بذل جهود مضاعفة للتغلب على التحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار والتمويل. وسيعتمد نجاح هذه الجهود على قدرة سوريا على بناء الثقة مع المجتمع الدولي، وإثبات التزامها بمعايير الشفافية ومكافحة الجرائم المالية. نتوقع في المستقبل القريب المزيد من الإعلانات حول عودة المؤسسات المالية السورية إلى التعاملات الدولية، مما يعزز آفاق النمو والازدهار في البلاد. يرجى مشاركة مقالاتنا وتعليقاتكم لمواصلة الحوار حول هذا الموضوع الهام.

شاركها.
Exit mobile version